المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 4612


حور العين
09-08-2019, 11:25 AM
من:إدارة بيت عطاء الخير

http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641

درس اليوم
دروس من قصة إبراهيم (02)

الدرس الثاني:
ظلت هاجر بابنها إسماعيل في الصحراء، فلما نفَد الماءُ هرولتُ بين الصفا
والمروة سبع مرات؛ تبحث عن الماء، وفي المرة الأخيرة سمعت صوتًا،
فجاءت إلى ابنها، فإذا ملَكٌ كريمٌ، إنه جبريل عليه السلام يضرب بجناحِه
الأرض، فنبع الماء مِن باطن الأرض بقدرة الله تعالى، وجاءت قبيلةُ جُرْهُم
لتستأذن من هاجر أن تنزل معها على الماء، فوافقت بشرط ألا يكون لهم حقٌّ
في الماء، وليشرَبوا كما يشربُ الناس، ولَمَّا كبِر إسماعيلُ تزوَّج منهم، وتعلم
منهم العربية، فجاء إبراهيم ليرى ابنَه، فلم يجِدْه، فقال لزوجته: كيف حالكم؟
فاشتكت شدة الحياة، وجهد العيش، فقال لها: إذا جاء إسماعيل، فأقرئيه مني
السلام، وقولي له يغيِّر عتبة داره، فلما جاء أخبرته، فقال: هذا أبي يأمرني
بطلاقك، الحقي بأهلك، وتزوَّج أخرى، وبعد مدةٍ جاء إبراهيم ليزوره،
فلم يجده، فسأل عنه قالت: خرج للصيد، ثم سألها عن حالهم: فأثنت على
الله تعالى، وقالت: نحن بخير حالٍ، فقال لها: إذا جاء إسماعيل فأقرئيه
السلام، وقولي له: يمسك عتبة داره، فلما جاء أخبرته، فقال لها:
هذا أبي، يأمرني بإمساكك والمحافظة عليك.

وفي ليلة من الليالي يرى نبيُّ الله إبراهيم منامًا عجيبًا، أنه يذبح ابنه العزيز
عليه، الحبيب إلى قلبه، ورؤى الأنبياء وحيٌ، فيذهب إلى ابنه وهو شابٌّ
يسعى،

{ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى
قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }
[الصافات: 102].

وهذا اختبارٌ صعبٌ، فلو مات بين يديه؛ لكان أهون عليه، ولكنه هو الذي
يذبحه بنفسه، يا لها من نفس صبور جسور! ولكن لا بد من تنفيذ أمر الله؛
لأن كل شيء في سبيل الله يهون، حتى لو كانت النفس أو الولد
الذي ظل ينتظره سنين عِددًا.

فماذا كان جواب (الشاب الحليم)؟

{ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }
[الصافات: 102]،

بل أنت سيد الصابرين يا إسماعيل.
من يتحمل ما تحمَّلتَ؟!
من يُطيق ما أطقتَ؟!

استسلامٌ للذبح، بل استسلامٌ لأمر الله، لا أدري والله مِن أيهما أعجب؟
أمِن صبر إسماعيل عليه السلام واستسلامه للذبح إرضاءً لله، أم مِن صبر
إبراهيم عليه السلام وإمساكه بالسكين بيده لذبح ابنه بنفسه؟!

ولسان حال إبراهيم عليه السلام يقول:
((إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مُسمًّى))، وذهبا إلى
المكان المحدد؛ لتنفيذ أمر الله ولسانُ حالهما يقول: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك
لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)).

أين قلب الوالد الحنون؟!
قد أذعن لله واستسلم.
بل أين قلب الولد، ألا يخاف الموت؟!
قد خضع لله واستسلم.

استسلم الوالد والولد لله تعالى، بل أسلَمَا جميعًا لأمر الله،

{ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ }
[الصافات: 103]؛

إي والله هذا هو الإسلام الحقيقيُّ؛ أن نُقدِّم أغلى ما نملك لله ربِّ العالمين.

يا من تشرب الدخان، لا نقول لك: اذبح ولدك،
بل استسلم وألقِ السيجارة عن فمك.
يا من تقترض من البنك بالرِّبا، لا نقول لك:
اذبح ولدك، ولكن استسلم ورُدَّ المال للبنك وأقلع عن الربا.

يا من تسمعُ الأذان ولا تجيبه، لا نقول لك:
اذبح ولدك، بل استسلم لله وأقِمْ فرضَ الله.

يا مَن تتبرَّجين في الشوارع، لا نقول لك: اذبحي ولدك،
ولكن استُري جسدك بالحجاب الذي أمرك به الله.

يا مَن تسهر أمام التلفاز المُدمِّر للأخلاق،
استسلم لله تعالى وأغلِق هذا الجهاز.

{ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ }
؛ أي: وضع جبين إسماعيل على التلِّ: وهو المكان المرتفع من الأرض، فكبَّه
على وجهه للتلِّ، وجعل رقبته إلى أعلى؛ كيلا ينظر إلى وجهه أثناء الذبح!

يا له من موقف عصيبٍ يَعجِزُ اللسان عن وصفه، ويقفُ القلم عن تسطيره،
إن إبراهيم لن يذبحه بيده، إنه سيذبحه بقلبه، بوجدانه، بشعوره، بأحاسيسه،
إنه الإيمان، نعم إنه الإيمان، الإيمان يتكلم، يتحرك، ينفذُ أمر ربِّه.

ومسك السكِّين فعلًا.. الله أكبر، نجح الخليلان، فاز النبيَّانِ، ظهر الصدق،

{ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }
[الصافات: 104 - 105]،

كانوا من المحسنين في إيمانهم، في استسلامهم، في تنفيذ أمر ربهم،

{ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ }
[الصافات: 107]،

ونزل جبريل بكبشٍ ليذبحه إبراهيم فداءً لابنه إسماعيل، ولتظل الأضحيَّةُ
سُنةً إلى قيام الساعة، تريقُ الدمَ في هذا اليوم إحياءً لسُنَّة أبينا إبراهيم،
وإرضاء لربِّ العالمين.

أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين