تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : إجلال ذي الجلال والإكرام


vip_vip
03-18-2012, 05:28 PM
إجلال ذي الجلال والإكرام





حينما ذَكَّر نوح قومه قال مُسْتَفْهِمًا :

{مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} ؟


إن أعظم توقير يجب أن يكون لِمَن أسْبَغ عليك نِعَمَه وأنت في طَوْر الـنُّطْفَة ،
ولذا قال مُذَكِّرًا :

{وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا}

حينما لم تكن شيئا مَذكورا !


ثم تَوَالَتْ عليك مِنَنه ، وتَتَابَعت عليك نِعَمه .


هل تأمّلت أحوالك وأنت تنتقِل مِن طَور إلى طور ،
مِن غير حول ولا قوة لك ولا لأحدٍ مِن البَشَر





قال ابن القيم عن الرَّحِم :

مَن الذي أوحى إليه أن يَتَضَايق عليك وأنت نُطْفة حتى لا تَفْسد هناك ؟ وأوحى إليه أن يَتَّسِع لك ويَنْفَسِح حتى تَخْرُج منه سليما إلى أن خَرَجْتَ فَريدا وَحيدا ضَعيفا لا قِشْرة ولا لِباس ولا مَتاع ولا مَال ؟ أحْوج خَلْق الله وأضعفهم وأفقرهم ، فَصَرَف ذلك اللبن الذي كنت تَتَغَذَّى به في بَطن أمك إلى خِزَانتين مُعَلَّقَتين على صدرها ! تَحْمِل غذاءك على صدرها ، كما حَمَلَتْك في بَطنها ، ثم سَاقَه إلى تَيْنِك الخِزَانَتين ألْطَف سَوْق على مَجَارٍ وطُرُقٍ قد تَهَيَّأت له ، فلا يَزال وَاقِفًا في طُرُقه ومَجَارِيه حتى تَسْتَوفِي ما في الخزانة ، فَيَجْرِى ويَنْسَاق إليك، فهو بِئر لا تَنْقَطِع مادَّتها ، ولا تَنْسَدّ طُرُقها ، يَسُوقها إليك في طُرُقٍ لا يَهْتَدِي إليها الطَّواف ، ولا يَسْلكها الرِّجال ، فمن رَقَّقَه لك ، وصَفَّاه ، وأطَاب طَعْمه ، وحَسَّن لَونه ، وأحْكم طَبْخَه أعْدَل إحْكَام ؟ لا بِالْحَارَّ الْمُؤذِي ، ولا بالبَارِد الرَّدي ، ولا الْمُرّ ولا المالح ، ولا الكَرِيه الرائحة ، بل قَلَبَه إلى ضَرْب آخر مِن التغذية والمنفعة ، خِلاف ما كان في البطن ، فَوَافَاك في أشد أوقات الحاجة إليه على حين ظمأ شديد وجوع مفرط جمع لك فيه بين الشراب والغذاء فحين تولد قد تلمظت وحركت شفتيك للرضاع ، فتجد الثدي الْمُعَلَّق كالإدَاوَة قد تَدَلَّى إليك ، وأقبل بِدَرِّه عليك . اهـ .


أمَا خَرَجْتَ مِن بَطْن أمك مَقْلُوبا لا تَرَى ولا تَعِي ؟!


{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}


أما وَهَبك الله عَينين ، لِتَرَى ؟


ومَنَحَك أُذُنين ، لِتَسْمَع ؟


وحَبَاك قَلْبًا وَاعِيًا لِتَعِي وتُدْرِك ؟


بلى .. فَبِهَا أدْرَكْت ووعَيت وعَقَلْت وتعَلَّمْت

{وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}


وهَداك سُبُل السَّلام وسبيل الرشاد


{أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}


إن لم تتفكر في نفسك التي بين جنبيك ، ولم تَرَ دَقيق صُنع الله فيها


فَدُونَك ما هو أعظم من ذلك


خَلْق السَّماوات

{أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا}


وجَعَل فيهن ما تقوم به حياتكم

{وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا}




كيف لا يُوقَّر ولا يُرْجَى له وَقَار .. مَن لا إله غيره ؟ ولا رب سواه ؟


فلا خَالِق ولا رَازِق غَيره ؟


ولا مُدَبِّر للأمْر إلاَّ إياه ؟


إذ لا كاشِف للبلوى إلاّ الله ..





قال ابن القيم :


كيف لا تُحِبّ القلوب مَن لا يأتي بالحسنات إلاّ هو ؟ ولا يَذهب بِالسيئات إلاّ هو ؟ ولا يُجيب الدعوات ، ويُقِيل العَثرات ، ويَغفر الخطيئات ، ويَستر العَورات ، ويَكشف الكُرُبات ، ويُغيث اللهفات ، ويُنِيل الطَّلَبَات سِواه ؟ فهو أحقّ مَن ذُكِر ، وأحَقّ مَن شُكِر ، وأحقّ مَن حُمِد ، وأحَقّ مَن عُبِد ، وَأنْصَر مَن ابْتُغِي ، وأرْأف مَن مَلَك ، وأجْود مَن سُئل ، وأوسع مَن أعْطَى ، وأرْحَم مَن اسْتُرْحِم ، وأكْرَم مَن قُصِد ، وأعَزّ مَن الْتُجِئ إليه ، وأكْفَى مَن تُوكِّل عليه . أرْحَم بِعَبْدِه مِن الوالِدَة بِوَلَدِها ، وأشَدّ فَرَحًا بِتَوبة عِباده التائبين مِن الفَاقِد لِرَاحِلته التي عليها طعامها وشَرَابه في الأرض الْمُهْلِكة إذا يَأس مِن الحياة فَوَجَدها . وهو الْمَلِك فلا شَريك له ، والفَرْد فلا نِدّ لَه . كُلّ شيء هالِك إلاَّ وَجْهه ، لن يُطاع إلاَّ بِإذنه ، ولن يُعْصَي إلاَّ بِعِلْمه ؛ يُطَاع فَيَشْكُر ، وبِتَوفِيقه ونِعْمَتِه أُطِيع ، ويُعْصَي فَيَغْفِر ويَعْفُ ، وحَقّه أُضِيع . فهو أقرب شَهيد ، وأدْنَى حَفيظ ، وأوْفَى وَفِيّ بِالْعَهْد ، وأعْدَل قائم بِالقِسْط ، حال دون النفوس ، وأخذ بالنواصي ، وكَتَب الآثار ، ونَسَخ الآجال ، فالقُلُوب له مُفْضِية ، والسِّرّ عِنده علانية ، والعلانية والغيوب لديه مَكْشُوف ، وكُلّ أحد إليه مَلْهُوف ، وعَنَتِ الوُجُوه لِنُور وَجْهه ، وعجِزت القلوب عن إدراك كُنْهِه ، ودَلَّت الفِطْرة والأدِلّة كُلّها على امْتِنَاع مِثله وشِبهه ، أشْرَقَت لِنُور وَجْهه الظلمات ، واسْتَنَارَت له الأرض والسماوات ، وصَلحت عليه جميع المخلوقات ، لا يَنام ولا يَنبغي له أن يَنام ، يَخفض القِسْط ويَرفعه ، يُرْفَع إليه عَمل الليل قَبل عَمل النهار ، وعَمَل النهار قبل عَمَل الليل ، حِجَابه النور لو كَشَفَه لأحْرَقَت سُبُحَات وَجْهه ما انتهى إليه بَصَره مِن خَلْقه . اهـ .





فما للنفوس لا تعظم المَلِك القُدُّوس ؟





إن مِن إجلال الله : تعظيم شعائر الله ..


{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}


قال القرطبي في تفسيره :

الشعائر جمع شعيرة ، وهو كل شي لله تعالى فيه أمْر أشْعَر به وأعْلَم . اهـ .


( وسيأتي مزيد – إن شاء الله - في تعظيم القرآن والأدب معه ) .





وتَعظيم حُرُمات الله .. مِن إجلال الله ..

{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ}


ومِن ذلك :


أن لا يُحْلَف بالله كذِبًا ..


جاء في خَبَر نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام أنه قال :

ربي عز وجل يعلم أني كُنت أمُرّ على الرَّجُلين يَتَزَاعمان ،
وكُلّ يَحْلِف بالله - أوْ على الـنَّفَر يَتَزَاعَمُون-
فانْقَلِب إلى أهلي فأُكَـفَّـر عن أيمانهم ،
إرادة ألاَّ يأثم أحَدٌ ذَكَره ، ولا يَذْكُره أحَدٌ إلاَّ بِالْحَقّ .





وفي خبَر المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام :

أنه َرأَى رَجُلًا يَسْرِقُ ، فَقَالَ لَهُ : أَسَرَقْتَ ؟
قَالَ : كَلَّا وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ .
فَقَالَ عِيسَى : آمَنْتُ بِاللهِ ، وَكَذَّبْتُ عَيْنِي . رواه البخاري ومسلم .





ومِن إجلال الله : أن لا يُجْعَل الله عُرْضَة للأيمانِ :

{وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ}





وأن لا يُجْعَل الله أهْوَن الناظِرين .. بل يُعظَّم نَظَر الإلـه ، ويُسْتَحيا مِن الله ..





أبو محمد عبد الله بن محمد الأندلسي القحطاني في نونيته :





وإذا خَلَوت بِريبة في ظُلْمة = والنفس داعـية إلى الطغيانِ


فاسْتَحي مِن نَظر الإله وقُل لها : = إن الذي خَلَق الظلام يراني








ومِن إجلال الله : إجلال ذي الشيبة المسلم ؛ لأنه شَابَ في طاعة الله .


وفي الحديث :

( إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ ،
وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ ،
وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ ).

رواه أبو داود ، وحسنه الألباني .


وفي الحديث الآخَر :

( مَا أَحَبَّ عَبْدٌ عَبْدًا لِلَّهِ إِلَّا أَكْرَمَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ).

رواه الإمام أحمد ، وحسنه الأرنؤوط .





ومِن إجلال الله : تعظيم كلّ ما عظَّمه الله ..







منقول