المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 4813


حور العين
03-27-2020, 03:31 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير

http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641

درس اليوم
معنى اسم الله الحق (07)

المَعَانِي الإِيمَانِيَّةُ:
الحَقُّ الذِي خُلِقَتْ بِهِ السَّمَاواتُ وَالأَرْضُ وَمَا بَيْنَهُمَا، هُوَ حَقٌّ مُقَارِنٌ لِوُجُودِ
هَذِهِ المَخْلُوقَاتِ سُطُورًا فِي صَفَحَاتِهِ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُوَفَّقٍ كَاتِبٍ،
وَغَيْرِ كَاتِبٍ كَمَا قِيلَ:
تَأَمَّلْ سُطُورَ الكَائِنَاتِ فَإِنَّهَا
مِنَ المَلَأِ الأَعْلَى إِلَيْكَ رَسَائِلُ
وَقَدْ خُطَّ فِيهَا لَوْ تَأَمَّلْتَ خَطَّهَا
أَلَا كُلُّ شَيءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ

وَأَمَّا الحَقُّ الذِي هُوَ غَايَةُ خَلْقِهَا فَهُوَ غَايَةٌ تُرَادُ مِنَ العِبَادِ، وَغَايَةٌ تُرَادُ بِهِم،
فَالَّتِي تُرَادُ مِنْهُم أَنْ يَعْرِفُوا اللهَ تَعَالَى وَصِفَاتِ كَمَالِهِ عز وجل، وَأَنْ يَعْبُدُوهُ
لَا يُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئًا، فَيَكُونُ هُوَ وَحْدَهُ إِلَهَهُمْ وَمَعْبُودَهُم وَمُطَاعَهُم وَمَحْبُوبَهُم
قَالَ تَعَالَى:

{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ
لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا }
[الطلاق: 12]،

فَأَخْبَرَ أَنَّهُ خَلَقَ العَالَمَ لِيَعْرِفَ عِبَادُهُ كَمَالَ قُدْرَتِهِ وَإِحَاطَةَ عِلْمِهِ،
وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ مَعْرِفَتَهُ وَمَعْرِفَةَ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَتَوْحِيدِهِ.

وَقَالَ تَعَالَى:
{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }
[الذاريات: 56]،

فَهَذِهِ الغَايَةُ هِيَ المُرَادَةُ مِنَ العِبَادِ وَهِيَ أَنْ يَعْرِفُوا رَبَّهُم وَيَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ،
وَأَمَّا الغَايَةُ المُرَادَةُ بِهِم فِي الجَزَاءِ بِالعَدْلِ وَالفَضْلِ وَالثَّوَابِ وَالعِقَابِ

، قَالَ تَعَالَى:
{ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى }
[النجم: 31]،

وَقَالَ تَعَالَى: { إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى }
[طه: 15]،

وَقَالَ تَعَالَى:
{ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ }
[النحل: 39]،

وَقَالَ تَعَالَى:

{ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ
ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ
ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا
إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ }
[يونس: 3، 4]،

فَتَأَمَّلِ الآنَ كَيْفَ اشْتَمَلَ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا عَلَى الحَقِّ
أَوَّلًا وَآخِرًا وَوَسَطًا، وَأَنَّهَا خُلِقَتْ بِالحَقِّ وَلِلْحَقِّ وَشَاهِدَةٌ بِالحَقِّ.

وَقَدْ أَنْكَرَ تَعَالَى عَلَى مَنْ زَعَمَ خِلَافَ ذَلِكَ فَقَالَ:
{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ }
[المؤمنون: 115]،
ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ هَذَا الحُسْبَانِ المُضَادِّ لِحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَحَمْدِهِ فَقَالَ:
{ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ }
[المؤمنون: 116]،

وَتَأَمَّلْ مَا فِي هَذَينِ الاِسْمَيْنِ وَهُمَا المَلِكُ الحَقُّ مِنْ إِبْطَالِ هَذَا الحُسْبَانِ الذِي
ظَنَّهُ أَعْدَاؤُهُ، إِذْ هُوَ مُنَافٍ لِكَمَالِ مُلْكِهِ وَلِكَوْنِهِ الحَقَّ، إِذِ المَلِكُ الحَقُّ هُوَ الذِي
يَكُونُ لَهُ الأَمْرُ وَالنَّهْيُ فَيَتَصَرِّفُ فِي خَلْقِهِ بِقَوْلِهِ وَأَمْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الفَرْقُ
بَيْنَ المَلِكِ وَالمَالِكِ إِذِ المَالِكُ هو المتصرِّفُ بفعِلهِ والمَلِكُ هُوَ المُتَصَرِّفُ
بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ.

وَالرَّبُّ تَعَالَى مَالِكُ المُلْكِ فَهُوَ المُتَصَرِّفُ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ فَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ خَلَقَ خَلَقْهَ
عَبَثًا لَمْ يَأَمُرْهُمْ وَلَمْ يَنْهَهُمْ فَقَدْ طَعَنَ فِي مُلْكِهِ وَلَمْ يَقْدُرْهُ حَقَّ قَدْرِهِ،
كَمَا قَالَ تَعَالَى:

{ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ }
[الأنعام: 91]،

فَمَنْ جَحَدَ شَرْعَ اللهِ وَأَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، وَجَعَلَ الخَلْقَ بِمَنْزِلَةِ الأَنْعَامِ المُهْمَلَةِ،
فَقَدْ طَعَنَ فِي مُلْكِ اللهِ وَلَمْ يَقْدُرْهُ حَقَّ قَدْرِهِ، وَكَذَلِكَ كَوْنُهُ تَعَالَى إِلَهَ الخَلْقِ
يَقْتَضِي كَمَالَ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ، وَوُقُوعَ أَفْعَالِهِ عَلَى أَكْمَلِ
الوُجُوهِ وَأَتَمِّهَا.

فَكَمَا أَنَّ ذَاتَهُ الحَقُّ فَقَوْلُهُ الحَقُّ وَوَعْدُهُ الحَقُّ، وَأَمْرُهُ الحَقُّ، وَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا حَقٌّ،
وَجَزَاؤُهُ المُسْتَلْزِمُ لِشَرْعِهِ وَدِينِهِ وَلِلْيَوْمِ الآَخِرِ حَقٌّ، فَمَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ
فَمَا وَصَفَ اللهَ بِأَنَّهُ الحَقُّ المُطْلَقُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَبِكُلِّ اعْتِبَارٍ، فَكُونُهُ حَقًّا
يَسْتَلْزِمُ شَرْعَهُ وَدِينَهُ وَثَوَابَهُ وَعِقَابَهُ، فَكَيْفَ يُظَنُّ بِالمَلِكِ الحَقِّ أَنَّ يَخْلُقَ خَلْقَهُ
عَبَثًا، وَأَنْ يَتْرُكَهُمْ سُدًى لَا يَأْمُرُهُم، وَلَا يَنْهَاهُمْ، وَلَا يُثِيبُهُم، وَلَا يُعُاقِبُهُم،
كَمَا قَالَ تَعَالَى:
{ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى } [القيامة: 36]،

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: "مُهْمَلًا لَا يُؤْمَرُ وَلَا يُنْهَى"، وَقَالَ غَيْرُهُ:
"لَا يُجْزَى بِالخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَلَا يُثَابُ وَلَا يُعَاقَبُ، وَالقَوْلَانِ مُتَلَازِمَانِ".

فَالشَّافِعِيُّ ذَكَرَ سَبَبَ الجَزَاءِ وَالثَّوَابِ وَالعِقَابِ وَهُوَ الأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَالآخَرُ ذَكَرَ
غَايَةَ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَهُوَ الثَّوَابُ وَالعِقَابُ، ثُمَّ تَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ:

{ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى }
[القيامة: 37، 38]،

فَمَنْ لَمْ يَتْرُكْهُ وَهُوَ نُطْفَةٌ سُدًى، بَلْ قَلَّبَ النُّطْفَةَ وَصَرَّفَهَا حَتَّى صَارَتْ أَكْمَلَ
مِمَّا هِيَ وَهِيَ العَلَقةُ، ثُمَّ قَلَبَ العَلَقَةَ حَتَّى صَارَتْ أَكْمَلَ مِمَّا هِيَ حَتَّى خَلَقَهَا
فَسَوَّى خَلْقَهَا، فَدَبَّرَهَا بِتَصْرِيفِهِ وَحِكْمَتِهِ فِي أَطْوَارِ كَمَالَاتِهَا حَتَّى انْتَهَى
كَمَالُهَا بَشَرًا سَوِيًّا، فَكَيْفَ يَتْرُكُهُ سُدًى لَا يَسُوُقُهُ إِلَى غَايَةِ كَمَالِهِ الذِي خُلِقَ
لَهُ، فَإِذَا تَأَمَّلَ العَاقِلُ البَصِيرُ أَحْوَالَ النُّطْفَةِ مِنْ مَبْدَئِهَا إِلَى مُنْتَهَاهَا دَلَّتْهُ عَلَى
المَعَادِ وَالنُّبُوَاتِ، كَمَا تَدُلُّهُ عَلَى إِثْبَاتِ الصَّانِعِ وَتَوْحِيدِهِ وَصِفَاتِ كَمَالِهِ،
فَكَمَا تَدُلُّ أَحْوَالُ النُّطْفَةِ مِنْ مَبْدَئِهَا إِلَى غَايَتِهَا عَلَى كَمَالِ قُدْرَةِ فَاطِرِ الإِنْسَانِ
وَبَارِئِهِ، فَكذَلِكَ تَدُلُّ عَلَى كَمَالِ حِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَمُلْكِهِ.

وَإِنَّهُ المَلِكُ الحَقُّ المُتَعَالِي عَنْ أَنْ يَخْلُقَهَا عَبَثًا وَيَتْرُكَهَا سُدًى بَعْدَ كَمَالِ خَلْقِهَا،
وَتَأَمَّلْ كَيْفَ لَمَّا زَعَمَ أَعْدَاؤُهُ الكَافِرُونَ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ وَلَمْ يَنْهَهُم عَلَى أَلْسِنَةِ
رُسُلِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَبْعَثُهُم لِلثَّوَابِ وَالعِقَابِ، كَيْفَ كَانَ هَذَا الزَّعْمُ مِنْهُم قَوْلًا بِأَنَّ
خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَاطِلٌ فَقَالَ تَعَالَى:

{ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا
ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ }
[ص: 27]،

فَلَمَّا ظَنَّ أَعْدَاؤُهُ أَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْ إِلَيْهِم رَسُوُلًا، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ أَجَلًا لِلِقَائِهِ، كَانَ
ذَلِكَ ظَنًّا مِنْهُم أَنَّهُ خَلَقَ خَلْقَهُ بَاطِلًا، وَلِهَذَا أَثْنَى تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ المُتَفَكِّرِينَ
فِي مَخْلُوقَاتِهِ، بِأَنَّهُمْ أَوْصَلَهُمْ فِكْرُهُمْ فِيهَا إِلَى شَهَادَتِهِم بِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْهَا
بَاطِلًا، وَأَنَّهُمْ لَمَّا عَلِمُوا ذَلِكَ، وَشَهِدُوا بِهِ عَلِمُوا أَنَّ خَلْقَهَا يَسْتَلْزِمُ أَمْرَهُ
وَنَهْيَهُ وَثَوَابَهُ وَعِقَابَهُ.

فَذَكَرُوا فِي دُعَائِهِم هَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ فَقَالُوا:

{ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ *
رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }
[آل عمران: 191، 192]،

فَلَمَّا عَلِمُوا أَنَّ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَسْتَلْزِمُ الثَّوَابَ وَالعِقَابَ تَعَوَّذُوُا بِاللهِ
مِنْ عِقَابِهِ، ثُمَّ ذَكَرُوا الإِيمَانَ الذِي أَوْقَعَهُمْ عَلَيْهِ فِكْرُهُمْ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ فَقَالُوْا:

{ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا }
[آل عمران: 193]،

فَكَانَتْ ثَمَرَةُ فِكْرِهِمْ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، الإِقْرَارَ بِهِ تَعَالَى
وَبِوَحْدَانِيَّتِهِ وَبِدِينِهِ وَبِرُسُلِهِ وَبِثَوَابِهِ وَعِقَابِهِ، فَتَوَسَّلُوُا إِلَيْهِ بِإِيمَانِهِم الذِي
هُوَ مِنْ أَعْظَمِ فَضْلِهِ عَلَيْهِم، إِلَى مَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِم وَتَكْفِيرِ سَيِّئَاتِهِم وَإِدْخَالِهِم مَعَ
الأَبْرَارَ إِلَى جَنَّتِهِ الَّتِي وَعَدَهُمُوهَا، وَذَلِكَ تَمَامُ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِم، فَتَوَسَّلُوا بِإِنْعَامِهِ
عَلَيْهِمْ أَوَّلاً إِلَى إِنْعَامِهِ عَلَيْهِم آخِرًا، وَتِلْكَ وَسِيلَةٌ بَطَاعَتِهِ إِلَى كَرَامَتِهِ وَهِيَ
إِحْدَى الوَسَائِلِ إِلَيْهِ، وَهِيَ الوَسِيلَةُ الَّتِي أَمَرَهُمْ بِهَا فِي قَوْلِهِ:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ }
[المائدة: 35]،

وَأَخْبَرَ عَنْ خَاصَّةِ عِبَادِهِ أَنَّهُمْ يَبْتَغُونَ الوَسِيلَةَ إِلَيْهِ إِذْ يَقُولُ تَعَالَى:

{ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ }
[الإسراء: 57].

عَلَى أَنَّ فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ أَسْرَارًا بَدِيعَةً، ذَكَرْتُهَا فِي كِتَابِ
التُّحْفَةِ المَكِّيَّةِ فِي بَيَانِ المِلَّةِ الإِبْرَاهِمِيَّةِ.

فَأَثْمَرَ لَهُمْ فِكْرُهُم الصَّحِيحُ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ؛ إِنَّهَا لَمْ يَخْلُقْهَا بَاطِلًا،
وَأَثْمَرَ لَهُمْ الإِيمَانَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَدِينِهِ وَشَرْعِهِ وَثَوَابِهِ وَعِقَابِهِ وَالتَّوَسُلَ إِلَيْهِ
بَطَاعَتِهِ وَالإِيمَانِ بِهِ. وَهَذَا الذِي ذَكَرْنَاهُ قَطْرَةٌ مِنْ بَحْرٍ لَا سَاحِلَ لَهُ،
فَلَا تَسْتَطِلْهُ فَإِنَّهُ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ العِلْمِ لَا يُلَائِمُ كُلَّ نَفْسٍ، وَلَا يَقْبَلُهُ كُلُّ مَحْرُومٍ،
وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ"

أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين