المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 4864


حور العين
06-23-2020, 02:20 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير

http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641

درس اليوم
معنى اسم الله التواب (01)

الدَّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْم (التَّوَّابِ):
التَّوَّابُ فِي اللُّغَةِ مِنْ صِيَغ المُبَالَغةِ، فِعْلُهُ تَابَ يَتُوبُ تَوْبًا وتَوْبَةً، والتَّوْبَةُ
الرُّجُوعُ عَنِ الشَّيءِ إِلي غَيْرِهِ، وَتَرْكُ الذَّنْبِ عَلَى أَجْمَلِ الوُجُوهِ، وَهُوَ أَبْلَغُ
وُجُوهِ الاعْتِذَارِ، فَإِنَّ الاعْتِذَارَ عَلَى ثَلاثةِ أَوْجُهٍ: إِمَّا أنْ يَقُولَ الُمعْتَذِرُ لَمْ أَفْعَلْ،
أَوْ يَقُولَ فَعَلْتُ لأَجْلِ كَذَا أَوْ يَقُولَ: فَعَلْتُ وَأَسَأْْتُ وَقَدْ أَقْلَعْتُ وَلاَ رابِعَ لِذَلِكَ،
وَهَذَا الأَخِيرُ هُوَ التَّوْبَةُ وَالتَّائِبُ يُقَالُ لِبَاذِلِ التَّوْبَةِ وَلِقَابِل التَّوْبَةِ، فَالعَبْدُ تَائِبٌ
إِلَى الله، والله تَائِبٌ عَلَى عَبْدِهِ، وَالتَّوْبَةُ لاَزِمَةٌ لِجَمِيعِ المُذْنِبِينَ وَالعَاصِينَ
صَغُرَ الذَّنْبُ أَوْ كَبُرَ، وَلَيْسَ لأِحَدٍ عُذْرٌ فِي تَرْكِ التَّوْبَةِ بَعْدَ ارْتِكَابِ المعصيةِ؛
لأنَّ المعاصِي كُلَّها تَوَعَّدَ اللهُ عليْهَا أهْلَهَا.

والتَّوَّابُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عَبادِهِ حاَلًا بَعْدَ حالٍ، فَمَا
مِنْ عَبْدٍ عَصَاهُ وبَلَغَ عصيانهُ مَدَاهُ ثُمَّ رَغِب فِي التَّوْبَةِ إليهِ إلَّا فَتَحَ لَهُ أبْوَابَ
رحمَتِهِ، وفَرِحَ بعودَتِه وتَوْبَتِهِ، مَا لَمْ تُغَرْغِرِ النفسُ أو تَطْلُعِ الشَّمْسُ مِنْ
مَغْرِبِهَا، فَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَي رضي الله عنه مَرْفُوعًا:

"إن الله عَزَّ وَجَل يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ
لِيَتُوبَ مُسيءُ اللَّيْلِ حَتي تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا"،

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال:
"إِنَّ الله يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْد مَا لَمْ يُغَرغِرْ"،

ولو أَنَّ إنسَانًا اتَّبع هَوَاهُ أَوِ استَجَابَ لشيطانِهِ، وتَمادَى في جُرْمِهِ وَعِصْيَانِهِ
، فَقَتَلَ مِائَةَ نَفَسٍ، وارْتَكَبَ كُلَّ إثْمٍ، وأرادَ التَّوْبَةَ والغُفْرَانَ تابَ عليهِ التَّوَّابُ،
وبدَّلَ لهُ عَدَدَ مَا فَاتَ مِنَ السَّيِّئَاتِ بِنَفْسِ أعدَادِهَا حَسَنَاتٍ، قَالَ تَعَالَى:

{ فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا }
[الفرقان: 70]،

ورَوَي الترمذيُّ، وَحَسَّنَهُ الألبانِيُّ منْ حديثِ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ رضي الله عنه،
قَالَ: سَمعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:

"قَالَ الله: يَا ابْنَ آدَمَ إنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ
وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاء ثُمَّ اسْتَغْفَرتَني غَفَرْتُ لَكَ
وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ
بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرةً".

هَذَا فَضْلًا عَنْ فَرَحِ التَّوَّابِ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ وَعَوْدَتهِ إِلَى رَبِّهِ،
فَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا:

"لله أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَة أَحَدكُمْ مِنْ أَحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ إذَا وَجَدَهَا"،

إنَّ المُذْنِبَ مُخْطِئٌ فِي جَنْبِ الله وعِظَمُ الذَّنْبِ يُقَاسُ بِعظَمِ مَنْ أَخطَأْتَ فِي
حَقِّهِ، فَلَوْ قَبِلَ الله تَوْبَةَ المُذْنِبِ فَإِنَّ مُجَرَّدَ القَبُولِ فَقَطْ كَرَمٌ بَالِغٌ ومِنَّةٌ مِنَ الله
عَلَى عَبْدِهِ، فَمَا بالُنَا وَهُوَ يَقْبَلُ توبَةَ المُذْنِبِ بِعَفْوٍ جَدِيدٍ وَفَرَحٍ شَدِيدٍ، وَيَجْعَلُ
فِي مُقَابِلِ الذُّنُوبِ بِالتَّوْبَةِ أَجْرًا كَبِيرًا.

وَيَذْكُرُ ابْنُ الْقَيِّمِ أنَّ تَوْبَةَ العَبْدِ إِلى رَبِّهِ مَحْفُوفَةٌ بِتَوْبَةٍ مِنَ الله عَلَيْهِ قَبْلَهَا
وَتَوْبَةٍ مِنْهُ بَعْدَهَا، فَتَوْبَتُهُ بَيْنَ تَوْبَتَيْنِ مِنَ الله: سَابِقَةٍ وَلاَحِقَةٍ، فَإِنَّهُ تَابَ
عَلَيْهِ أَوَّلًا إِذْنًا وَتَوْفِيقًا وَإِلْهَامًا، فَتَابَ العَبْدُ فَتَابَ الله عَلَيْهِ ثَانِيًا قَبُولاً وَإِثَابَةً،
قَالَ تَعَالَى:

{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ
وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ
لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 118]

، فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ تَوْبَتَهُ عَلَيْهِم سَبَقَتْ تَوْبَتَهُمْ، وَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي جعَلَتْهُم
تَائِبِينَ، فَكَانَتْ سَبَبًا وَمُقْتَضًى لِتَوْبَتِهِم، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ مَا تَابُوا حَتَّى تَابَ الله
عَلَيْهِمْ، وَالحُكْمُ يَنْتَفِي لاِنْتِفَاءِ عِلَّتِهِ، فَالعَبْدُ تَوَّابٌ، فَتَوْبَةُ العَبْدِ رُجُوعُهُ إِلَى
سَيِّدِهِ بَعْدَ الإِبَاقِ، وَتَوْبَةُ الله نَوْعَانِ: إِذْنٌ وَتَوْفِيقٌ، وَقَبُولٌ وَإِمْدَادٌ ،

قَالَ ابْنُ القَيَّمِ:
وكَذَلِكَ التَّوَّابُ مِنْ أَوْصَافِهِ
وَالتَّوْبُ فِي أَوْصَافِهِ نَوْعَانِ
إِذْنٌ بِتوْبَةِ عَبْدِهِ وَقَبُولُها
بَعْدَ المَتَابِ بِمِنَّةِ المَنَانِ

قَالَ أَبُو حَامِدٍ: "التَّوَّابُ هُوَ الذِي يَرْجِعُ إِلَيْهِ تَيْسِيرُ أَسْبَابِ التَّوْبَةِ لِعِبَادِه مَرَّةً
بَعْدَ أُخْرى بِمَا يُظْهِرُ لَهُمْ مِنْ آيَاتِهِ، وَيَسُوقُ إِلَيْهِمْ مِنْ تَنْبِيهَاتِهِ، وَيُطْلِعُهُمْ عَلَيْهِ
مِنْ تَخْوِيفَاتِهِ وَتَحْذِيرَاتِهِ، حَتَّى إِذَا اطَّلَعُوا بِتَعْرِيفِهِ عَلَى غَوَائِلِ الذُّنُوبِ
اسْتَشْعَرُوا الخَوْفَ بِتَخْوِيفِهِ فَرَجَعُوا إِلَى التَّوْبَةِ فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ".

أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين