تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم9420


حور العين
08-24-2020, 02:51 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير

http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641

درس اليوم
معنى الأول والآخر (04)

والآخِرُ سُبْحَانَهُ هُوَ الُمتَّصِفُ بِالْبَقَاءِ والآخِرِيَّةِ؛ فَهُوَ الآخِرُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ
شَيْءٌ، البَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ الخَلْقِ، وَهُنَا سُؤَالٌ يَطْرَحُ نَفْسَهُ عَنْ كَيْفِيَّةِ الجَمْعِ بَيْنَ
وَصْفِ اللهِ تبارك وتعالى بِأَنَّهُ الآخِرُ وَالْبَاقِي الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، وَبَقَاءِ
الَمخْلُوَقاتِ فِي الجَنَّةِ وَدَوُامِها وَأَبَدِيَّتِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَنَعِيمِها
وَدَوَامِ مُتْعَتِها وَلَذَّتِهَا للمُؤْمِنِينَ:

{ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }
[المائدة: 119]،

وَقَالَ سُبْحَانَهُ عَنْ أَهْلِ النَّارِ وَعَذَابِهَا وَدَوَامِ الشَّقَاءِ لِأَهْلَهِا:
{ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } [الجن: 23]؟

وَمَا تَفْسِيرُ قَوْلِهِ:

{ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ }
[الرحمن: 26، 27]،

وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ أ
َنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ:

"اللهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ"؟

قَدْ يَبْدُو فِي الظَّاهِرِ أَنَّ بَقَاءَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَالنَّارِ أَبَدًا مُتَعَارِضٌ مَعَ إِفْرَادِ اللهِ
تبارك وتعالى بِالْبَقَاءِ، وَأَنَّهُ الآخِرُ الذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، لَكِنَّ هَذَا التَّعَارُضَ
يَزُولُ إِذَا عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ نُفَرِّقَ فِي قَضِيَّةِ البَقَاءِ والآخِرِيَّةِ بَيْنَ مَا يَبْقَى
بِبَقاءِ اللهِ، ومَا يَبْقَى بِإبْقَاءِ اللهِ، أَوْ نُفَرِّقَ بَيْنَ الذَّاتِ والصِّفَاتِ الإِلَهِيَّةِ، وَبَقَاءِ
المخْلُوقَاتِ التي أَوْجَدَها اللهُ كَالْجَنَّةِ والنَّارِ وَمَا فِيهِمَا، فَالْجَنَّةُ مَثَلًا بَاقِيَةٌ بِإبْقَاءِ
اللهِ، وَمَا يَتَجَدَّدُ فِيهَا مِنْ نَعِيمٍ مُتَوَقِّفٌ فِي وُجُودِهِ عَلَى مَشِيئَةِ اللهِ، أَمَّا ذَاتُه
وصِفَاتُه فَبَاقِيَةٌ بِبَقَائِهِ، وَشَتَّانَ بَيْنَ مَا يَبْقَى بِبَقَاءِ اللهِ وَمَا يَبْقَى بِإِبْقَائِهِ، فَالْجَنَّةُ
مَخْلُوقَةٌ خَلَقَهَا اللهُ تبارك وتعالى، وَكَائِنَةٌ بِأَمْرِهِ، وَرَهْنُ مَشيئَتِهِ وَحُكْمِهِ؛
فَمَشِيئَةُ اللهِ حَاكِمَةٌ عَلَى مَا يَبْقَى وَمَا لَا يَبْقَى.

وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ يَعْتَبِرُونَ خُلْدَ الجَنَّةِ وَأَهْلِهَا إِلَى مَا لا نِهَايَةَ إِنَّمَا
هُوَ بِإبْقَاءِ اللهِ وَإِرَادَتِهِ، فالبَقَاءُ عِنْدَهُمْ لَيْسَ مِنْ طَبيعَةِ الَمخْلُوقَاتِ، ولا مِنْ
خَصَائِصِها الذَّاتِيَّةِ، بَلْ مِنْ طَبِيعَتِها جَمِيعًا الفَنَاءُ، فَالخُلُودُ لَيْسَ لِذَاتِ المخْلُوقِ
أو طَبيعَتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَدَدٍ دَائِمٍ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَإِبْقَاءٍ مُسْتَمِرٍّ لَا يَنْقَطِعُ،
أَمَّا صِفَاتُ اللهِ تبارك وتعالى، وَمِنْهَا وَجْهُهُ وَعِزَّتُهُ وَعُلُوُّهُ وَرَحْمَتهُ وَيَدُه
وقُدْرَتُه وَمُلْكُه وقُوَّتُه فَهِي صِفَاتٌ بَاقِيَةٌ بِبَقَائِهِ مُلَازِمَةٌ لِذَاتِهِ، حَيْثُ الْبَقَاءُ صِفَةٌ
ذَاتِيَّةٌ للهِ، كَمَا أَنَّ الأَزَلِيَّةَ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ لَهُ أَيْضًا، فَلَا بُدَّ إِذًا أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَ صِفَاتِ
الأَفْعَالِ الإِلَهِيَّةِ وَأَبَدِيَّتِها وَطَبِيعَتِهَا، وَهَذَا مَا جَاءَ بِهِ القُرْآنُ حَيْثُ فَرَّقَ بَيْنَ
نَوْعَيْنِ مِنَ البَقَاءِ، الأَوَّلُ وَهُوَ بَقَاءُ الذَّاتِ بِصِفَاتِهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

{ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ }
[الرحمن: 26، 27]،

والثَّانِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

{ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى }
[الأعلى: 17]،

فَالآيَةُ الأُولَى دَلَّتْ عَلَى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَهِيَ صَفَةُ الوَجْهِ، وَدَلَّتْ عَلَى
بَقَاءِ الصِّفَةِ بِبَقَاءِ الذَّاتِ، فَأَثْبَتَتْ بَقَاءَِ الذَّاتِ بِصِفَاتِهَا، وَأَثْبَتَتْ فَنَاء مَا دُونَها
أَوْ إِمْكَانِيَّة فَنَائِه، إذْ إِنَّ اللهَ هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، وَهُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيءٍ
وَبَعْدَ كُلِّ شَيءٍ.


أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين