المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير آيات - سورة الجن المزمل: الجن


vip_vip
05-16-2012, 08:20 PM
تفسير آيات - سورة الجن المزمل: الجن (http://www.ataaalkhayer.com/)


الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين.

أيها الأخوة المؤمنون... أيُّ تعاونٍ بين الإنس والجن تعاونٌ محرَّم،
بشتَّى أشكاله وصوره،
ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام معصوم عن أن يخطئ في أقواله،
وأفعاله، وإقراره، ولا يؤخِّر البيان عن وقته،
فلو أن النبي عليه الصلاة والسلام يعلم ـ وهو قِمَّةُ البشر،
وهو الذي يوحى إليه ـ
أن هناك فائدةً وثمرةً مرجوةً من تعاون الإنس مع الجن لأمرنا به،
مادام قد لم يأمرنا بل نهانا، بل فقال:


(( من سحر فقد أشرك ))


( سنن النسائي: عن " أبي هريرة " )


فأيُّ تعاونٍ بين الإنس والجن هدفه إضلال البشر،
وقد يأخُذ هذا التعاون شكل ديني، أن هذا إنسان رجل يخرج الجن،
أي تعاون بين الإنس والجن هدفه إضلال البشر، وهذه الآية هي الدليل:


{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً (6)}


ليس في مَنهج الإسلام،
ولا منهج القرآن إلا أن نستعيذ بالله من الجن، بقلبٍ حاضر..

{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ
تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ(201)}


( سورة الأعراف )
أيها الأخوة... الجن موجودون، وقد يتعاون الإنس مع الجن ولكن خلاف منهج الله،
وهذه معصية، والإنسان حينما يتفوَّق إما لتدريباتٍ عاليةٍ جداً،
أو لمعونة من الجن، كلا الطَريقَيْن ليس مشروعاً في الإسلام،
وهذه الآية تقطع هذا الأمر:


{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً (6)}


هناك نُقطة يجب أن تكون واضحة، هذه السُنَّة المُطَهَّرة
كافية كي نصل إلى أعلى مستوى إذا طبَّقناها،
لا ينبغي أن نضيف عليها شيئاً، ولا أن نخترع شيئاً،
ولا أن نبتدع شيئاً، ولا أن نجتهد في شيء لم يفعله النبي.
ثم يقول الله عزَّ وجل:


{ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ
فَلَا يَخَافُ بَخْساً وَلَا رَهَقاً (13)}


أيْ البخس هو أن يُهضم حقك، والرهق هو أن تُكلَّف ما لا تطيق،
أنت حينما تؤمن وحينما تطيع الله عزَّ وجل لن يُهضم حقك،
ولن تكلَّف ما لا تطيق، الإسلام واقعي، الإسلام دين الفطرة،
ما أودع فيك شهوةً إلا وجعل لها قناةً نظيفةً تسري خلالها،
الإسلام فيه نظام ولكن ما فيه حرمان أبداً،
إذا أُناس اجتهدوا وحرموا أنفسهم، فهذه بدعةٌ ما أنزل الله بها من سلطان..


{ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ
فَلَا يَخَافُ بَخْساً وَلَا رَهَقاً (13)}


يرووا كطرفة أن أحد خلفاء العبَّاسيين ـ وأظنه هارون الرشيد ـ
غضب من إحدى زوجاته فقال:
" إن نمتِ اليوم في مُلكي فأنتِ طالق ".
كان له ثُلثا الأرض، كان يقول للسحابة:
" اذهبي أينما شئتِ يأتيني خراجك "
فهي طالقةٌ لا محالة، سألت أحد العلماء
فقال: نامي في المسجد لأن المساجد لله ليست له.
أنت إذا ذهبت إلى العمرة أو الحج، ضمن الحرم تشعر أنك في بيت الله،
لا تشعر أنك في بلد اسمها (السعودية) ولكن ضمن الحرم في بيت الله،
أما خارج الحرم بلد إسلامي آخر،
له نظامه، له ترتيباته، ضمن الحرم أنت في بيت الله..


{ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18)}


* * * * *
أيها الأخوة... من صلَّى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يُمسي،
ومن صلَّى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح..


{ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (6)}


( سورة المزمل )


لماذا الفجر ركعتان فقط، والظهر أربعة، بأربعة، بأربعة ؟
الإنسان حينما يستيقظ صافٍ، نفسه مرتاحة، لمجرَّد أن يقول:
الله أكبر، تنعقد الصلة مع الله عزَّ وجل، فهذا الذي يحصل في الفجر لا يحصل في وقت آخر..

*(ولو علموا ما في العتمة والصبح ، لأتوهما ولو حبوا)

الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني -
المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 539
خلاصة حكم المحدث: صحيح

فالذي ينشأ في صلاة الليل لا ينشأ في صلاة النهار.
وإن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار،
وإن لله عملاً في النهار لا يقبله في الليل..


{ إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً (7)}


الله جعل النهار معاش، جعل النهار لابتغاء فضل الله عزَّ وجل،
وجعل الليل كي تعبد الله، وكي تذكره، وكي تصلي له.
وحينما قال الله عزَّ وجل:


{ وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ}


( سورة المزمل: آية " 11 " )


قال: هذه النِعمة إن لم تشكر ربك عليها،
وإن لم تُنفقها في طاعة الله أصبحت نَعْمَة،
هي نِقْمَة. إنسان الله آتاه المال فلم يشكر الله عليه،
وأنفقه في المعاصي والآثام،
فليس المال نِعْمَةً إنما هو نَعْمَة، قال تعالى:

{ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(25)
وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ(26)
وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ(27)}


( سورة الدخان )


نَعْمة وليست نِعْمَة، فالشيء الذي لا تعرف من خلاله المُنْعِم،
والذي لا توظِّفه في الحق هذا نقمةٌ على الإنسان وليس نعمةً،
يؤكد هذا المعنى قوله تعالى:


{ فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي(15)
وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي(16)}
( سورة الفجر )

سمعت البارحة حديث عن أحد التابعين وهو سعيد بن المسيِّب،
الذي يتحدث عنه يقول:
" إنه صلى الفجر في وضوء العشاء خمسين عاماً ".
ما فعل هذا النبي، وهذا كلام غير واقعي، ولا يُقْبَل،
فسعيد بن المسيب بشر، إذا كان من تركيب آخر لا أعرف،
إذا كان من تركيب البشر النبي ينام ويقوم،
وإذا ما نام الإنسان ليلتان يختل كل توازنه،
هكذا قانون الجسم، بنية الجسم هكذا،
فأنه صلَّى خمسين عام الفجر بوضوء العشاء، هذا كلام ييئِّس.

أنا ذكرت مرَّة أنه حينما نقع في المبالغات نضع إسفين في العبادات دون أن نشعر،
إذا إنسان ممكن تقطع رجله بأكملها وهو في الصلاة ولا يشعر،
هذا كلام فيه مبالغة، النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي بأصحابه،
فسمع صوت بكاء طفل، فاختصر صلاته.
معنى هذا أن سيد الخلق، سيد المصلين،
أقرب إنسان إلى الله إذا صلَّى على عِلْم بما حوله،
أما إنسان تقطع رجله كلياً دون أن يشعر ؟!
هذه مبالغة، وهذه المبالغة مُنْعَكَساتها أنها تُيَئّس الإنسان،
إذاً صلاتنا ليست صلاة.

في مبالغات ؛ قرأ القرآن كله بركعتين، الآن نحن نقرأ القرآن،
من حوالي شهر ونحن نقرأه، ممكن تقرأ القرآن بركعة واحدة أو بركعتان ؟!
فماذا سيقرأ ؟ هؤلاء الستمائة صفحة، غير الظهر، العصر، المغرب،
العشاء كلهم راحوا، يحتاج إلى عشرين أو ثلاثين ساعة ليقرأه كله،
الجزء كم دقيقة يحتاج ؟ نصف ساعة الجزء، أقل شيء نصف ساعة،
الثلاثين خمس عشرةَ ساعة، فكيف قرأ القرآن بركعتان،
هذه القصص كلها تيئِّس، وتعمل الإسلام غير واقعي،
أما تصلي صلاة كما صلاها النبي، وأنت واعٍ،
وتنام وتقوم، وهذه الآية الكريمة..


{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ
وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ}


وما عُرِفَ أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قام الليل كله،
إلا قام بعض الليل.
هذا الكلام لكي يكون الإنسان واقعي، ويكون دينه واقعي،
ولا يحس بالإحباط دائماً أن صلاته غير صحيحة،
وقيامه غير صحيح، وتلاوته غير صحيحة،
لأنه يوجد أناس خمسون سنة صلوا الفجر بوضوء العشاء،
هذا الكلام قد يتوهَّم منه أنه فيه تعظيم لسعيد بن المسيب،
ولكن هذا ليس تعظيم هذا فيه مزاودة، النبي سيد الخلق ما فعل هذا.

{ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً (17)}


الطفل لا يشيب، وإذا شاب الطفل فالهَوْل لا يوصف،
فهؤلاء الذين ينغمسون في الدنيا، ويقترفون المعاصي والآثام ينتظرهم
يومٌ تشيب لهَوْلِهِ الولدان.


يُقاس على الليل والنهار أشياء كثيرة..
{ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى
وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ
وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}


سيدنا علي له كلمة: " إن للنفس إقبالاً و إدباراً،
فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل،
وإن أدبرت فاحملوها على الفرائض ".
إنسان مسافر الله شرع له قصر الصلاة، المسافر مشغول،
في عنده ابن مريض يحتاج إلى عملية، فإذا في مشكلة،
في مهمة، في أمر عويص الفرائض طبعاً مع السُنَن الراتبة،
أما إذا كان في راحة نفسيَّة النوافل. "إن للنفس إقبالاً وإدباراً،
فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل ". صار في مشكلة،
صار في انشغال شديد ؛ الفرائض والرواتب هذه الحد الأدنى.
والحمد لله رب العالمين