تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : هل يدفع العجز إلا الصبر وساعدا بطلٍ؟


هيفولا
06-13-2012, 06:55 AM
هل يدفع العجزَ إلا الصبر وساعِدا بطلٍ؟



http://www.yanabeea.net/up_depart/6/5355.jpeg



د. توفيق الواعي


الرجولة خُلقٌ عظيم، تزداد وتقوى بالحق، وتسود وتعز بالعزائم،
وتسمو وترتفع بالإيمان، وتدوم وتبقى بالعدالة والعمل الصالح،
وتُسعد وتؤتي أُكلها بالرحمة والقدوة وطيب النفس وكبر القلب.
كما أن الرجولة تنتشر بالتوريث والتربية والتدريب،
ولا تؤدي إلى الفلاح في الأمم والشعوب إلا من خلال
من يقوِّم عِوَجَها إذا اعوجت، ويعدل مسارها إذا انحرفت.

قال الإمام الغزالي يرحمه الله:
«الحق لا يُعرف بالرجال، ومن عرف الحق بالرجال حار في متاهات الضلال،
فاعرف الحق حيث كان تعرف أهله إن كنت سالكاً طريق الحق»،
ثم قال يرحمه الله:
«عادة ضعفاء العقول معرفة الحق بالرجال»،


وللرجولة تبعات، وللحق أعباء، خاصة عند فساد الزمان،
ووهن النفوس وضياع الآمال، وأمام ذلك إحن ومحن،
وصبر ومصابرة، وإصرار
وعزيمة تلاطم الأمواج وتقرع الصخور والجبال.



قال رجل للشافعي : أيهما أفضل؛ الصبر أم المحنة أم التمكين؟
فقال: التمكين درجة الأنبياء، ولا يكون التمكين إلا بعد المحنة،
فإذا امتحن صبر، وإذا صبر مُكّن،
ألا ترى أن الله تبارك وتعالى امتحن إبراهيم ثم مكَّنه،
وامتحن موسى ثم مكَّنه، وامتحن أيوب ثم مكَّنه؟!



وقال تعالى للذين آمنوا:
(يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون )
(200) (آل عمران)،

وقال تعالى: ( أحيسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون (2)
ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعملن الكاذبين (3))
(العنكبوت).

هؤلاء هم الرجال أصحاب الصدارة والجدارة والاستحقاق،
الذين يلوون أعناق التاريخ، ويستوقفون الزمان، ويرعبون الخطوب،

وعندما سمعت قول خالد بن الوليد لرجل من المسلمين،
قال عند لقاء الروم: ما أكثر الروم وأقل المسلمين،
فرد عليه خالد: بل ما أقل الرومان،
والله لوددت أن فرسي سليم من تَوجِّيه يعني مرضه
وقد أضعفوا في العدد، إنما تكثرُ الجيوش بالنصر والعزائم.

أما غيرهم من الذين أضاعوا أممهم وأذلوا شعوبهم،
وظلموا أوطانهم، وكسروا نخوة أجيالهم،
فهدموا كل عامر، وبددوا كل ثمين، وكانوا وبالاً ودماراً ووباء،
فهم أشد من الجراثيم وأفتك من الأمراض المعدية،
في حياتهم وحتى بعد مماتهم، حين يشيعون باللعنات من الجميع
كما شُيِّع الظالمون الباغون من قبلهم:
لتبك على الفضل بن مروان نفسه فليس له باكٍ من الناس
يعرفُ لقد صاحب الدنيا منوعاً لخيرها وفارقها
وهو الظلومُ المعنّفُ إلى النار فليذهب ومن كان مثلهُ
على أيّ شيءٍ فاتنا منه يؤسفُ!

نعم إلى النار، فليذهب هو ومن كان مثله،
ويذهب معه الحزن والكرب والضيق.


ولكن ما أظن أن بغاة اليوم الذين حبسوا الهواء
حتى الهواء عن الناس ومنعوا عنهم الكلام وعدُّوا الأنفاس
وراقبوا الحركات والسكنات والخطوات
إلا سيذهبون إلى النار في الدنيا قبل الآخرة؛
لما اقترفوا من جرائم يشيب لها الولدان،
وتتكلم بها الركبان لتقول: أحقاً عباد الله أن لست جائياً ولا ذاهباً
إلا عليَّ رقيبُ ولا زائراً فرداً ولا في جماعة من الناس
إلا قيل أنت مُريبُ

ومن عجيب الأمر أن ترى بعد هذا التدمير،
وهذا الامتهان للشعوب كثيراً ممن ارتضوا أن يكونوا مطية لهولاء
وأبواقاً لأضاليلهم،
فتسمع من يحدثك عن الحريات والديمقراطيات بلا حياء ولا خجل
، ولا تلعثم ولا وجل، ويكلمك عن الرخاء والنماء،
بلا شعور ولا ضمير، وأنت تصبر الناس على البلوى وتحتسب،
وتعلل النفوس، لعل وعسى أن تدفع عن البلاد شراً،
أو تزيل خطراً، وتحمي عرضاً وتحفظ أرضاً ووطناً،

فإذا بها تنام عن الأخطار، وتلهو وتسدر في غيها
حتى تتلاطم الفتن وتسوّد الأيام وتجتمع الذئاب،
وتشتعل النيران لتقضي على الأخضر واليابس،
ويجأر النصاح وينادي المخلصون بعدما ملوا وتعبوا
ونالهم ما نالهم من الزمرة المفسدة قائلين:


إني أعيذكم بالله من فتنٍ مثل الجبالِ
تسامى ثم تندفعُ إن البرية قد ملت سياستكم فاستمسكوا بعمود الدين
وارتدعوا لا تلحمنّ ذئابُ الناس أنفُسَكم
إن الذئاب إذا ما أُلحمت رتعوا لا تبقرنَّ بأيديكم بطونكم
فثمَّ لا حسرة تغني ولا جزعُ



ولله در القائل إذ يقول في أمثالهم:
أرى بين الرماد وميض نارٍ فيوشكُ أن يكونَ لها ضرامُ
فإنْ لم يُطفها عقلاءُ قومٍ يكون وقودها جثثٌ وهامُ
أقولُ من التعجب ليت شعري أأيقاظٌ أميَّةُ أم نيامُ!
فإن كانوا لجبنهم نياماً فقل قوموا فقد حان القيامُ
ولكن لا قيام ولا حراك ولا كلام،


وإنما هم خُشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم،
يزدادون موتاً على موت، مستمرئين ذلك
هائمين به حباً مولعين به عشقاً،
حتى تعجَّب العدو قبل الصديق، لهذا الجسد الذي رمَّ،
والعيش الذي ذل، والحياة التي هانت،
فما تشعر بشكاة أو عويل أو مصاب مهما عظم،

حتى قال قائلهم:
ولو أني استزدتك فوق ما بي من البلوى لأعوَزك المزيد
ولو عرضت على الموتى حياتي بعيش مثل عيشي لم يريدوا


إذاً فبين الناس وبين الرجولة بون شاسع، وجهد جهيد،
وعمل دؤوب، ولا يجوز لأحد هذا حاله، وتلك طبيعته أن يدعيها،
وإلا صارت أموراً تضحك الثكلى وتجلب البلوى،

يذكرني هذا بمثل يذكره العوام في الخسة وعدم الشهامة،

عن رجل ينام في بيته مع زوجته، فشعرت زوجته بأن لصاً في الشارع
فقالت له: إن لصاً في الشارع، فقال: لا تخافي معك رجل،
فدخل الحرامي البيت فقالت له: لقد دخل البيت يا رجل،
فقال: لا تخافي بجانبك رجل، فقالت: لقد دخل الغرفة
، فكرر الكلمة وجاء اللص وأخذ الزوجة،
فقالت له: لقد أخذني الحرامي،
فقال: لا تخافي، لقد تركت في البيت رجلاً!

فهل ستوجد عندنا السواعد الفاعلة التي تزرع الخير وتزيل المنكر؟

نسأل الله أن يوفق ويعين،
إنه سميع مجيب..
أمين.