المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 5166


حور العين
04-27-2021, 06:59 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير

http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641

درس اليوم


جَنَّةُ التراويح

من دوحة رمضان الندية يمتد غصن مياد من أغصانها الناعمة ليصافح أهلَ
المبادرة الذين يتتبعون شعف الأعمال، ومواقع قطر القربات؛ ليرووا روضة
الإيمان؛ ليقوى عودها، وتورق فروعها، وتضحك أزاهيرها، ويفوح عبيرها.

فتحتَ هذا الغصنِ الذي يتفيأ ظلاله وجماله عن اليمين والشمائل يلفي
السبّاقون جنةً من جنات الدنيا يستحم فيها الفؤاد المفؤود، ويستجم فيها
الصدر الجريح، وتغتسل العيون من قتام القسوة، ويلبس الوجه حلة نورانية
مشعة، ويطلق الحِجا ليسبح في ملكوت الآيات، فيكسر مغالقَ الغفلة، ويفك
قيود الفهم، وتنال الآذان نصيبها من سماع الجُمل العذبة التي تترقرق فيها
ترقرق الجداول في الخمائل، وتأخذ الأقدام جظها من القيام الخاشع الذي
تدخره ليوم قيامها لرب العالمين.

تلك صلاة التراويح التي منَّ الله تعالى بها على أهل رمضان.

تلك العبادة التي تعد من محرِقات الأوزار،
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:

(من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)[1]

ومن صفات الأخيار الأبرار، الذين

{ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ
يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ }
[النور:37].

تلك القربة التي يشتاق إليها المحسنون،
وكلما اقترب نزول رمضان برّح بهم الحنين، وعظمت اللوعة:
وأعظم ما يكون الشوق يوماً ♦♦♦ إذ أدّنت الخيام من الخيام[2].

فما أحسنَ تلك الجموع التي ظلت واقفة بين يدي ربها تسمع آيات كتابه تتلى
عليها زمرة بعد زمرة، وهي لا تبرح مصلاها حتى يفرغ الإمام، طالبةً
بصبرها ورباطها هذا ثوابَ الآخرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة)[3].

لقد ترك هؤلاء القائمون أهلَ الغفلة وراءهم يحتسون كؤوس الخسارة،
مثقلين بثقل بطونهم، أو مسلوبي النهى والعيون من وسائل إعلامهم،
أو منصرفين إلى أعمال دنياهم، أو لاهين في أودية عبثهم، ومجالس قالهم
وقيلهم، فالصالحون في شأن وسواهم في شؤون أخرى، فطوبى لأولئك
القائمين، وحسرة على من لم يكن معهم.

فيا من وفِّق لصيام رمضان لا تحرم نفسك من قيامه، ولا تنظر كثرة
المعرضين عنه؛ فيصدك ذلك عن جنة التراويح؛ فإن أولئك اللاهين
لن يحمدوا لهوهم، ولن يسلموا من توجع الندم حينما لا ينفع.

فإذا رزقت ولوج نعيم هذه الجنة فتهيأ لها تهيؤاً صالحًا: فخفف حمولة
الطعام والشراب؛ فالسباق إنما هو للخيل المضمرة، واهجر الروائح الكريهة؛
فإنها تنفر عنك صالحي السماء وصالحي الأرض؛ وسارع إلى الصفوف
الأُول؛ فإنها تستحق المسابقة، وأرعِ للقراءة سمعك وقلبك؛ لتسمع فتتدبر
فتعمل، فمتى وقعَ ذلك القول في القلبِ فرسخَ فيه نفعَ، فهذه طريق
من طرق الفوز في رمضان:
ومن طلب الوصولَ لدار ليلى ♦♦♦ بغير طريقها وقعَ الضلالُ[4].

[1] متفق عليه.
[2] تزيين الأسواق في أخبار العشاق، للأنطاكي (1/ 58).
[3] رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان، وهو صحيح.
[4] نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، للتلمساني (6/ 301).



أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين

ر