حور العين
05-01-2021, 04:40 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير
http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641
درس اليوم
صيام القلب
"الملِك" اسم يشد الأذهانَ إلى معاني القوة والعظمة، والقدرة والسلطة،
ونفوذ الحكم الصادر عنه فيمن سواه. ويشير هذا الاسم الفخم إلى وجود آمر
يصدر، ومأمور ينفذ، ومملكة يقوم على هرمها هذا الملك.
وهذه القِمّة الوظيفية السامقة ليست في الأمور العامة فقط، بل في الأمور
الخاصة أيضًا؛ فجسد الإنسان يتكون من أعضاء مختلفة، ولها ملك تأتمر
بأمره، وتنتهي بنهيه، فإن استقام استقامت، وإن اعوجّ اعوجّت،
وإن صلح صلحت، وإن فسد فسدت. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله،
وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)[1].
وحينما كان قلب الإنسان هو ملك أعضائه، التي بصلاحها نجاته، وبفساده
عطبه؛ كان محطَ نظرِ الله تعالى، فإن وجده سليمًا فيا سعادة صاحبه، وإن
وجده مريضًا فيا ويله وشقوته! قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
(إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم،
ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)[2].
لهذا تعين على الإنسان أن يولي ملك جوارحه عنايةً خاصة، فيحلّيه بحليه
الصلاح، ويخليه من درن الفساد، ويحرسه من كل عدو يريد تكدير صفائه،
أو سرقة ذحائره، فالشيطان وأعوانه يرابطون على تخومه ينتظرون ساعة
غفلة من حرس الحدود حتى يهجموا فيعيثوا في القلب فساداً.
احرسْ فؤادَك من لصوصٍ لم تَزلْ
حول الحِمَى يترقّبون ترقّبا
فحراسةُ القلب السليم غدتْ له
أولى من الكنز الثمين وأوجبا
إن هذا الملك العظيم معرّض للضغوط الخارجية، والمؤامرات الداخلية؛ ففتن
الشبهات، وفتن الشهوات تعرض عليه، فإن جنح لها، وعدل عن خوف ربه
إليها فهي الكارثة المحققة على مملكته، وإذا وقف صامداً أمامها، ولم تلن له
قناة عند عرضها فذلك عزّ له ولمملكته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأي قلب أشربها نكت فيه
نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين:
على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر
أسود مرباداً كالكوز مجخيًا، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكراً
إلا ما أُشرب من هواه) [3].
إن بعض القلوب - مع توارد الشبهات والشهوات عليها- تتبدل أحوالها،
وبتبدلها إلى السوء تنحرف جوارح أصحابها، والقلوب من طبعها كثرة
التقلب، فإذا لم يكن عون من الله للفتى يعصم قلبه، ويحول بينه وبين الزيغ،
ولم يكن المسلم مراقبًا لقلبه، يقظًا على حصون حفظه، مالت بها الأهواء كلَّ
مُميل؛ ولذلك شُرع لأهل الإيمان الدعاء بتثبيت القلوب، وعدم حصول زيغها.
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
(إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلبٍ واحد يصرفه
حيث يشاء، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم مصرف القلوب
صرف قلوبنا على طاعتك) [4]، وقال تعالى:
{ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ }
[آل عمران: 8]
يدخل شهر رمضان المبارك على المسلم ومعه أشفيةٌ حميدة تداوي القلب،
وتبثّ فيه رونقَ الحياة، وتتوفر على إزالة أمراضه، وتجليته وصقله.
لهذا كان من المحتم على المسلم في رمضان أن يلتفت إلى قلبه لفتة عناية،
مستغلاً الجو الإيماني الفسيح، فيقوم بعمليتي إصلاحه، وهاتان العمليتان
هما: التخلية والتحلية، فيقف مع قلبه ناظراً إلى أدغاله إذا - وجدت - من
شرك أو نفاق أو رياء، أو تعلق بغير الله، أو أحقاد وحسد، ونحو ذلك فيكرّ
عليها ويبعدها عن فؤاده، ويقطع أسبابها إليه.
وبعد إجلاء ذلك الزغل يفرّ إلى تحليته بحلية الإيمان والتوحيد والإخلاص
والتعظيم والمراقبة والخشية والتوكل على الله تعالى، ويُجري إلى أنوار تلك
الروضة الغناء شآبيب نمائها وصفائها، ففي رمضان عوامل تحلية إيمانية
تنفع القلب، وترفع مستوى حياته إلى درجات عالية، منها: الصيام الصحيح
القائم على التخفيف من الفضول كفضول الطعام والشراب والمنام والنظر
والمخالطة، وقراءة القرآن قراءة متدبرة، وقيام رمضان بحضور السكينة
والخشوع، والإحسان إلى الناس بالقول والمال والحال؛ ابتغاء وجه الله،
وغير ذلك.
ثم بعد هاتين العمليتين يبقى على حمى قلبه خفيراً يحوطه بوسائل الحماية
التي تمنع عنه الاختراق الشيطاني الذي يميت قلبه أو يمرضه،
أو يذبل بهجة ذلك القلب السليم.
[1] متفق عليه.
[2] رواه مسلم.
[3] رواه مسلم.
[4] متفق عليه.
أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين
ر
http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641
درس اليوم
صيام القلب
"الملِك" اسم يشد الأذهانَ إلى معاني القوة والعظمة، والقدرة والسلطة،
ونفوذ الحكم الصادر عنه فيمن سواه. ويشير هذا الاسم الفخم إلى وجود آمر
يصدر، ومأمور ينفذ، ومملكة يقوم على هرمها هذا الملك.
وهذه القِمّة الوظيفية السامقة ليست في الأمور العامة فقط، بل في الأمور
الخاصة أيضًا؛ فجسد الإنسان يتكون من أعضاء مختلفة، ولها ملك تأتمر
بأمره، وتنتهي بنهيه، فإن استقام استقامت، وإن اعوجّ اعوجّت،
وإن صلح صلحت، وإن فسد فسدت. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله،
وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)[1].
وحينما كان قلب الإنسان هو ملك أعضائه، التي بصلاحها نجاته، وبفساده
عطبه؛ كان محطَ نظرِ الله تعالى، فإن وجده سليمًا فيا سعادة صاحبه، وإن
وجده مريضًا فيا ويله وشقوته! قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
(إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم،
ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)[2].
لهذا تعين على الإنسان أن يولي ملك جوارحه عنايةً خاصة، فيحلّيه بحليه
الصلاح، ويخليه من درن الفساد، ويحرسه من كل عدو يريد تكدير صفائه،
أو سرقة ذحائره، فالشيطان وأعوانه يرابطون على تخومه ينتظرون ساعة
غفلة من حرس الحدود حتى يهجموا فيعيثوا في القلب فساداً.
احرسْ فؤادَك من لصوصٍ لم تَزلْ
حول الحِمَى يترقّبون ترقّبا
فحراسةُ القلب السليم غدتْ له
أولى من الكنز الثمين وأوجبا
إن هذا الملك العظيم معرّض للضغوط الخارجية، والمؤامرات الداخلية؛ ففتن
الشبهات، وفتن الشهوات تعرض عليه، فإن جنح لها، وعدل عن خوف ربه
إليها فهي الكارثة المحققة على مملكته، وإذا وقف صامداً أمامها، ولم تلن له
قناة عند عرضها فذلك عزّ له ولمملكته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأي قلب أشربها نكت فيه
نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين:
على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر
أسود مرباداً كالكوز مجخيًا، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكراً
إلا ما أُشرب من هواه) [3].
إن بعض القلوب - مع توارد الشبهات والشهوات عليها- تتبدل أحوالها،
وبتبدلها إلى السوء تنحرف جوارح أصحابها، والقلوب من طبعها كثرة
التقلب، فإذا لم يكن عون من الله للفتى يعصم قلبه، ويحول بينه وبين الزيغ،
ولم يكن المسلم مراقبًا لقلبه، يقظًا على حصون حفظه، مالت بها الأهواء كلَّ
مُميل؛ ولذلك شُرع لأهل الإيمان الدعاء بتثبيت القلوب، وعدم حصول زيغها.
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
(إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلبٍ واحد يصرفه
حيث يشاء، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم مصرف القلوب
صرف قلوبنا على طاعتك) [4]، وقال تعالى:
{ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ }
[آل عمران: 8]
يدخل شهر رمضان المبارك على المسلم ومعه أشفيةٌ حميدة تداوي القلب،
وتبثّ فيه رونقَ الحياة، وتتوفر على إزالة أمراضه، وتجليته وصقله.
لهذا كان من المحتم على المسلم في رمضان أن يلتفت إلى قلبه لفتة عناية،
مستغلاً الجو الإيماني الفسيح، فيقوم بعمليتي إصلاحه، وهاتان العمليتان
هما: التخلية والتحلية، فيقف مع قلبه ناظراً إلى أدغاله إذا - وجدت - من
شرك أو نفاق أو رياء، أو تعلق بغير الله، أو أحقاد وحسد، ونحو ذلك فيكرّ
عليها ويبعدها عن فؤاده، ويقطع أسبابها إليه.
وبعد إجلاء ذلك الزغل يفرّ إلى تحليته بحلية الإيمان والتوحيد والإخلاص
والتعظيم والمراقبة والخشية والتوكل على الله تعالى، ويُجري إلى أنوار تلك
الروضة الغناء شآبيب نمائها وصفائها، ففي رمضان عوامل تحلية إيمانية
تنفع القلب، وترفع مستوى حياته إلى درجات عالية، منها: الصيام الصحيح
القائم على التخفيف من الفضول كفضول الطعام والشراب والمنام والنظر
والمخالطة، وقراءة القرآن قراءة متدبرة، وقيام رمضان بحضور السكينة
والخشوع، والإحسان إلى الناس بالقول والمال والحال؛ ابتغاء وجه الله،
وغير ذلك.
ثم بعد هاتين العمليتين يبقى على حمى قلبه خفيراً يحوطه بوسائل الحماية
التي تمنع عنه الاختراق الشيطاني الذي يميت قلبه أو يمرضه،
أو يذبل بهجة ذلك القلب السليم.
[1] متفق عليه.
[2] رواه مسلم.
[3] رواه مسلم.
[4] متفق عليه.
أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين
ر