المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 5176


حور العين
05-07-2021, 06:57 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير

http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641

درس اليوم

أفنان التيسير

مظاهر الرحمة لهذه الأمة ألوانٌ متعددة، ولها صور متجددة، ما زالت سُحُبها
تنهلُّ عليها لتنمو من غيثها الثجَّاج بساتينُ النعمة زاخرةً بكل زوج بهيج من
التقديرات والتشريعات السماوية التي تنال الأمة من ثمراتها النضيجة حلاوةَ
العبادة، وإدراك عظمة الإسلام، وأسبابًا للثبات عليه.

والناظر المتتبع يجد هذه الهدية الربانية السَنية شاخصة في كثير من نواحي
صيام رمضان، فمن ذلك: أن رمضان لم ينزل إيجابه مرة واحدة، بل مر
بمراحل كان آخرها إيجاب صيامه بشروطه، وكان هذا دفعًا للمشقة؛ فإن
النفوس في ذلك الوقت لم تعهد صيام شهر كامل على الوجوب.

ومن صور التيسير: أن صيام رمضان ضيفٌ عزيز يأتي إلى المسلمين مرة
واحدة في العام، فلو كثر نزوله ربما تُلفى فيه مشقة، وهذه الزيارة مدة
يسيرة، وليست إقامة طويلة ترهق المُنزِلين، وتبغّض الضيف إلى المضيفين،
فالمدة شهر قمري واحد فقط، وتأمّل التعبير عن ذلك بقوله:

{ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ
وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ
وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
[البقرة: 184]،

فقد " عبّر عن رمضان بأيام -وهي جمع قلة- ووصف بمعدودات -وهي
جمع قلة أيضًا-؛ تهوينًا لأمره على المكلفين، والمعدودات كناية عن القلة؛
لأن الشيء القليل يعد عداً؛ ولذلك يقولون: الكثير لا يعد، ولأجل هذا اختير
في وصف الجمع مجيئه في التأنيث على طريقة الجمع بألف وتاء،
وإن كان مجيئه على طريقة الجمع المكسر الذي فيه هاء تأنيث أكثر".

ومن صور التيسير: أنه لا يجب على جميع أفراد المسلمين، بل على بعضهم
ممن توفرت فيهم شروط الإيجاب، فلا يجب على صبي مطلقًا؛ لأنه تكليف،
وهو فاقد لسببه، وهو نقصان عقله، إضافة إلى وهن جسمه، ولا يجب مطلقًا
على مجنون؛ لذهاب مناط التكليف عنه، وهو العقل الذي يضبط الأفعال
والتصرفات، والمجنون لا يدري ما الصيام ولا مفطراته ولا مباحاته،
فاقتضت رحمة الله تعالى دفع مشقة الصوم عنهما تيسيراً عليهما.

ولا يجب على مريض حال مرض يشق عليه الصيام أثناءه، ولكن يجب عليه
إذا شُفي؛ فالصوم لكونه تكليفًا فيه نوع مشقة، والمريض مطوَّق بمشقة
السقم، فلا يرغب بمعكر إضافي؛ إذ قد يضاعف الصومُ مرضه، أو يؤدي
إلى وفاته، ويلحق بالمريض: الهرم والشيخ الكبير، والحامل والمرضع.

ولا يجب على مسافر حال سفره؛ لأن
(السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه)
، كما قال عليه الصلاة والسلام.

ولا يجب على الحائض والنفساء حتى تطهرا؛ إذ هما تعانيان غالبًا مشقةَ
السيلان وآثاره من الإرهاق، وتغير الأخلاق، فاقتضى التيسير الشرعي العفوَ
عنهما عفواً آنيًا حتى يصحّا.

ومن صور التيسير: أن صيام رمضان فيه أجور عظيمة، فأصحاب الأعذار
السابقة لكي لا يحرَموا هذا الفضل الذي ناله غيرهم؛ فتصيبهم مشقة نفسية
بالحرمان؛ جُعل لهم وقت آخر عقب رمضان ليدركوا من ذلك الخير،

{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى
وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ
مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ
وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
[البقرة: 185]

{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى
وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ
بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
[البقرة: 185].

ومن فروع التيسير: أن
(من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه)
كما قال عليه الصلاة والسلام؛ وذلك أن النسيان صفة ملازمة للإنسان، فربما
نسي كونه صائمًا فطعم أو شرب، فجاء التيسير ليكسوه ثوب العفو، ويحثه
على استمرار الصيام.

ومن صور التيسير: أن من أصبح جنبًا فإن صيامه صحيح، وعليه الغسل،
كما قالت عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما:

(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر وهو جنب من أهله، ثم
يغتسل ويصوم) ،

فقد ينام الإنسان على جنابة ولا يستيقظ إلا بعد أذان الفجر، أو قد ينسى أنه
على جنابة ولا يتذكر إلا بعد الصبح، أو أثناء النهار، فمن التيسير: أنه يصح
صومه ويجب عليه الاغتسال، فلو كان ذلك مفطراً له لكان فيه مشقة عليه
بالفطر ووجوب القضاء، وربما فاته ذلك بنسيان أو ذهول، أو ضيق الوقت،
وهو معذور في هذه الأحوال. ومثله الحائض والنفساء إذا طهرتا من دميهما
أثناء الليل أو قبل الفجر صح صومهما إذا دخل عليهما النهار ولم يغتسلا،
ثم يجب عليهما الغسل؛ وكان ذلك كله تيسراً من الله تعالى.

ومن صور التيسير: أن المحتلم نهاراً لا يفطر، وما عليه إلا الاغتسال
ومتابعة الصوم؛ لأن نزول مائه لم يكن بإرادته، فلو كان حكم عليه بالإفطار
لكان فيه مشقة.

ومن صور التيسير: أن الله تعالى لم يحرم المعاشرة الزوجية إلا أثناء نهار
الصيام، ولو حرمت كذلك في الليل لكان في ذلك مشقة،

{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ
عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ
وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ
مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ
وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ
لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }
[البقرة: 187].

ومن صور التيسير: أن من أفطر عامداً فعليه أن يقضي ما أفطر من رمضان
بعد تولي رمضان؛ لأنه لو لم يصح قضاؤه لكان ثَم مشقة بحرمانه من ذلك.

وفنن آخر من أفنان التيسير وهو: أن المفطرات أصناف قليلة معدودة، وغير
المفطرات للصائم غير محدودة في إطار المباح، فلو كان الأمر
على عكس ذلك لأحاطت بنا المشقة.

إضافة إلى هذه الصور: يذكر أهل العلم رخصًا للصائم إذا فعلها لم يفطر،
وهي كثيرة غير محصورة، منها: تذوق الطعام للصائم، واستعمال الأدوية
التي لا تقوم مقام الأكل والشرب، والقيء من غير تعمد، والأمثلة كثيرة.

فالحمد لله الذي أوجب فيّسر، وشرع وسهّل، وأنعمَ فأفضل، وجاد فأجزل.

لك الحمد كلّ الحمد يا بارئ النَّسَمْ ♦♦♦ ويا شارع التيسيرَ يا واسع الكرمْ
أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين

ر