المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 5384


حور العين
12-14-2021, 05:25 PM
تتبمن:إدارة بيت عطاء الخير
http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641
درس اليوم



خَرْقٌ في السَّفِين

لم تأتِ آياتُ اللهِ تُتلى علينا آناء الليل وأطراف النهار، تسمعها من جوالك
أو جوال جارك، أو في حافلة تسير بجوارك - لتمرَّ ولا أثرَ لها في فِعَالِك،
ولا تُغيِّر واقعك، أو تعدِّل مسارك، وتُنقِّيك من غفلة تعتريك، وسَأَمٍ يحتويك،
وتنفُض عنك غبار الكسل، فلو ألقيتَ لها سمعك، وحضر في رحابها قلبُك؛
لأحيتْ همَّتك وإن كانت في النَّزْعِ، وأسْكَتَتْ عنك البواكي الذين هيَّجهم رُقادُ همَّتِك؛

ففي سورة الكهف حين ذكر الله فيها رحلةً من عجبٍ، ومسيرة الكليم
مع الخَضِرِ، وكيف قُتل الغلام بأمرٍ، وصان الوالدين من الغمِّ، وكيف بنى
الجدار بقرية اللئام، ثم كيف خرق سفين المساكين، رغم حاجتهم لها
وعَيْشِهم عليها؛ فهي آلة قوتهم ومركب عَيْشِهم، ولك أن تتخيل مدى
سعادتهم وهم يستقلُّون ظهرها، وهي تمخُرُ بهم موجًا كالجبال، كلٌّ يرمي
شِباكَهُ مؤمِّلًا صيدًا وفيرًا، يصون به وجهه عن مذلَّةِ السؤال، وربما أعال
والده الكبير، وأمًّا آذنت قواها بالمغيب، وأطفالًا نَدِيَّة وجوههم، طَرِيَّة
عظامهم، لو فرغت شبكته، لباتوا جِياعًا، وربما كان فيهم عارٍ ينتظر
بيع السمك ليكتسيَ ويَنْعَمَ ببعض دفءٍ، وإذا الحال كما ذُكِر، فيُؤْمَرُ الخضر
بخرقها، فلم يثبت لموسى صبرٌ، وصاح بالخضر لأنه سيغرق كل المساكين،
وخالف الشرط من فَرْطِ خوفه وأساه على مَن يستحق المواساة،

فكيف تُخرَق تلك السفينة؟! وأي نفس تحتمل تلك المصيبة؟! لكنَّ اللهَ له
في خلقه شؤون؛ يمنعك في الظاهر، وأنت لا تدري أنه بمنعه أعطاك وكفاك
ووقاك، وأنت معصوب العينين لا ترى سوى شيء طفيف من بين ثنيَّات
العِصابةِ، ترى من شَقٍّ ما على قلبك شَقَّ، ولما سرد الخضر على الكليم خبرَ
الجدار والغلام والخرق، عَلِمَ وعَلِمنا أن خرق السفين عينُ الحبِّ، فهلا قِسْتَ
كلَّ مُرٍّ على ما مَرَّ وبانت حكمته، والعاقل يفهم بالمثل، وحين قيل عنه:
"ضرب المثل"؛ لأنه يُؤثِّر فيك كمثل الضرب، فهلا وثقنا في حكمته جل
وعلا، وأن الأمر ليس كما ترى؛ فسلِّم لربك، وثِقْ بأنك ناجٍ بفضله؛ فربك
حكيم وقادر، وربما أصلح حياتك بعطبٍ تَئِنُّ له، وهو عينُ نجاتك،

فيا مَن أُصبتَ في بعض بدنك، أو في ولدك، وربما في دراسة، أو في
مشروعك الدعوي، أو مسيرتك السياسية، أو مشروعك الكتابي، أو زواج،
أو تجارة، أو أيِّ شيء - فإنها لا شكَّ - يا مؤمنًا بربك - بعضٌ من رعاية؛
ربما من عُجْبٍ بنفسك كنتَ ستهلِكُ فحماك، وربما نجَّاك من حسد كاد يُرديك،
أو مَهلِكٍ كاد يؤذيك؛ فلك ربٌّ فسلِّم له نواصيك.


أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين