المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحلقه الرابعه الصبر


vip_vip
09-13-2012, 07:55 PM
يقول الشيخ الفقيه العثيمين غفر الله له و لوالديه :



الآية السادسة: قوله تعالى:

{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}

[محمد:31].
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ : لنختبرنَّكم : فالابتلاء بمعني الاختبار، أو البلوى بمعني الاختبار.

يعني: أن الله اختبر العباد في فرض الجهاد عليهم؛
ليعلَمَ من يصبر ومن لا يصبر؛ ولهذا قال الله- تعالى- في آية أخرى:

{وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ
وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)
سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ}

[محمد:4- 6] .
وقوله عز وجل: ﴿حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ﴾ قد يتوهَّم بعض من قصر علمه
أن الله - سبحانه - لا يعلم الشيء حتى يقع؛ وهذا غير صحيح؛
فالله - تعالى- يعلم الأشياء قبل وقوعها، كما قال تعالى:

{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}

[الحج:70] .

ومن ادعى أن الله لا يعلم بالشيء إلا بعد وقوعه؛ فإنه مكذب لهذه الآية
وأمثالها من الآيات الدالة على أن الله- تعالى- قد علم الأشياء قبل أن تقع !!

لكن العلم الذي في هذه الآية ﴿حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ﴾ هو العلم الذي يترتب عليه الثواب أو العقاب؛
وذلك لأن علم الله بالشيء قبل أن يكون لا يترتب عليه شيء من جهة فعل العبد؛
لأن العبد لم يُبلَ به حتى يتبين الأمر.فإذا بُلي به العبد واختبر به؛
حينئذٍ يتبين أنه استحق الثواب أو العقاب، فيكون المراد بقوله:
﴿حتى نعلم المجاهدين﴾ أي: علما يترتب عليه الجزاء.
وقال بعض أهل العلم: المراد بقوله:﴿حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ﴾
أي: علم ظهور، يعني حتى يظهر الشيء؛ لأن علم الله بالشيء
قبل أن يكون علم بأنه سيكون ، وعلمه بعد كونه علم بأنه كان. وفرق بين العلمين.
فالعلم الأول علم بأنه سيكون ، والثاني علم بأنه كان.

ويظهر لك الفرق لو أن شخصاً قال لك: سوف أفعل كذا وكذا غداً فالآن
حصل عندك علم بما أخبر به، ولكن إذا فعله غدا صار عندك علم آخر؛
أي: علم بأن الشيء الذي حدثك أنه سيفعله قد فعله فعلاً.
فهذان وجهان في تخريج قوله تعالى ﴿حَتَّى نَعْلَمَ﴾.
الوجه الأول: أن المراد به العلم الذي يترتب عليه الثواب أو العقاب،
وهذا لا يكون إلا بعد البلوى، بعد أن يبتلي الله العبد ويختبره.
الوجه الثاني: أن المراد به علم الظهور؛ لأن علم الله بالشيء قبل أن يكون علم بأنه سيكون،
فإذا كان ، صار علمه تعالى به علماً بما كان.

وقوله: ﴿الْمُجَاهِدِينَ﴾ المجاهد: هو الذي بذل جهده لإعلاء كلمة الله،
فيشمل المجاهد بعلمه،والمجاهد بالسلاح ، فكلاهما مجاهد في سبيل الله.
فالمجاهد بعلمه: الذي يتعلم العلم ويعلمه وينشره بين الناس،
ويجعل هذا وسيلة لتحكيم شريعة الله، هذا مجاهد. والذي يحمل السلاح
لقتال الأعداء هو أيضاً مجاهد في سبيل الله، إذا كان المقصود في الجهادين أن تكون كلمة الله هي العليا.
وقوله: ﴿وَالصَّابِرِينَ﴾ أي: الذين يصبرون على ما كُلِّفوا فيه من الجهاد ويتحملونه ويقومون به.
وقوله:﴿وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ أي: نختبرها وتتبين لنا وتظهر لنا ظهوراً يترتب عليه الثواب والعقاب.
لما ذكر الله هذا الابتلاء قال: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ ،
والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولكل من يبلغه هذا الخطاب،
يعني: بشِّر يا محمد ، وبشر يا من يبلغه هذا الكلام الصابرين
الذين يصبرون على هذه البلوى فلا يقابلونها بالتسخط وإنما يقابلونها بالصبر. وأكمل من ذلك أن يقابلونها بالرضا، وأكمل من ذلك أن يقابلونها بالشكر. كما مر علينا أن المصاب بالمصائب من أقدار الله المؤلمة له أربع حالات: تسخُّط، وصبر، ورضاً، وشكر، وهنا قال:﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ [البقرة:155،156] .
وقوله: ﴿قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ﴾ إذا أصابتهم مصيبة اعترفوا لله - عز وجل- بعموم ملكه،
وأنهم ملك لله، ولله أن يفعل في ملكه ما شاء؛ ولهذا قال النبي- عليه الصلاة والسلام-
لإحدى بناته، قال لها:

(( إن الله ما أخذ وله ما أعطى)) (105)،

فأنت مُلكٌ لربك- عز وجل- يفعل بك ما يشاء حسب ما تقتضيه حكمته تبارك وتعالى.
ثم قال: ﴿وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ يعترفون بأنهم لابد أن يرجعوا إلى الله فيجازيهم.
إن تسخطوا جازاهم على سخطهم، وإن صبروا - كما هو شأن هؤلاء القوم
- فإن الله تعالى يجازيهم على صبرهم على هذه المصائب.
فيبتلي - عز وجل- بالبلاء ويثيب الصابر عليه.
قال تعالى:

{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ}

[البقرة: 157] ،

أولئك يعني الصابرين ﴿عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾ والصلوات جمع صلاة
وهي ثناء الله عليهم في الملأ الأعلى ، يثني الله عليهم عند ملائكته.

وقوله: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ الذين هداهم الله- عز وجل-
عند حلول المصائب فلم يتسخطوا وإنما صبروا على ما أصابهم .
وفي هذه الآية دليل على أن صلاة الله- عز وجل- ليست هي رحمته،
بل هي أخصُّ وأكمل وأفضل، ومن فسَّرها من العلماء بأن الصلاة من الله الرحمة،
ومن الملائكة الدعاء، ومن الآدميين الاستغفار ؛ فإن هذا لا وجه له،
بل الصلاة غير الرحمة؛ لأن الله تعالى عطف الرحمة على الصلوات ،
والعطف يقتضي المغايرة. ولأن العلماء مُجمِعون على أنك يجوز لك
أن تقول لأي شخص من المؤمنين : اللهم ارحم فلاناً.
واختلفوا؛ هل يجوز أن تقول : اللهم صلِّ عليه. أو لا يجوز؛ على أقوالٍ ثلاثةٍ:
-فمنهم من أجازها مطلقاًً، ومنهم من مَنَعَها مطلقاً، ومنهم من أجازها إذا كانت تبعاً.

والصحيح أنها تجوز إذا كانت تبعاً، كما في قوله (( اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد))،
أو لم تكن تبعا ولكن لها سبب؛ كما قال الله

{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}

[التوبة:103]،
فإذا كان لها سبب، ولم تُتَّخذُ شعارًا، فإن ذلك لا بأس به.
فلا بأس أن تقول: اللهم صلِّ على فلان، فلو جاءك رجل بزكاته
وقال لك خذ زكاتي وفرقها على الفقراء، فلك أن تقول:
صلى الله عليك، تدعو له بأن يصلي الله عليه كما أمر الله نبيه بذلك.

يتبع بإذن الله ..