تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 5583


حور العين
08-09-2022, 08:10 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير
http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641

درس اليوم


الحج... وصناعة التفاؤل (01)

التَّفاؤلُ شُعُورٌ وِجْدَانيٌ جَميل، يُعالجُ الفِكْرَ، ويُكَافِحُ هَوَاجِسَ التَّكَدُّرِ، وأَشْـبَاحَ
الـمَخَاوفِ، ويُحدِث التوازن في شخصية المسلم، وفي التَّفَاؤُل انْتِصَارٌ للنفسِ
التَّوَّاقَةِ على النَّفْسِ الخَوَّارَةِ، تمرُّ بالأمة أَحْدَاثٌ وتَقَلُّباتٌ، وغِيَـرٌ ومُفـاجآت،
مِحنٌ عِظَامٌ، ونَوازل جِسامٌ... مَصَائبُ في إِثْرِ مَصَائب، وأَحْزَانٌ تَعْقُبُها
أَحْزَانٌ، قَتْلٌ مُباحٌ، وعِرْضٌ مُسْتَبَاحٌ، وانْتِهاكٌ للحقوقِ كلَّ صَباح. أعداءٌ
مُتصالحونَ، وقَتلةٌ مُتواطِئُونَ، ودول تتغنَّى نظرياً بالقيم الإنسانية، وفي
الواقع تتحرك وفق الأطماعِ والمصالحِ السياسية. ونِيرانُ الحروبِ يَزدادُ
شَرَرُها، وتبرق رعودها، ولا يُعلَم متى تنفجر، ولا ما هو مآلها، وفِـرَقٌ
بدعيَّـةٌ تَتَنَفَّسُ كُرْهاً، وتُخطِّطُ للتَّنْفِيسِ عن هذا الحِقدِ، ومن لا يأسى على
هذا الواقع المر وينكره فليتحسس إيمانه وانتماءه.

إن كان الحزن على هذا الواقع مطلوباً، ومؤشِّراً على نبض المشاعر،
إلا أن المؤمن لا يتعبد الله بهذه الأحزان، فربما كان دوام الحزن سبباً للقنوط
والقعود، فهذا الدين شرعه الله لِيُهَيْمِنْ، وآيات القرآن نزلت من عند الله
لتبقى، ولذا كانت شعائر الإسلام تؤكد هذا المعنى الذي يبعث على التفاؤل.
لِنَتَجَاوزْ حديثَ الآلامِ، ولنطوي صفحاتِ الأحزانِ؛ فكم هو جميل أنْ نتعبَّدَ اللهَ
بإِحْسَانِ الظِّنِّ به سبحانه، وذلك من خِلالِ التَّفَاؤُلِ الحَسَنِ.
فاليأْسُ يَقْطَعُ أَحْيَاناَ بِصَاحِبِه لا تَيأسـنَّ فإنَّ الفـارجَ اللهُ اللهُ يُحْـدِثُ بَعْدَ العُسْـرِ
مَيْـسَرَةً لا تَجْزَعَنَّ فإنَّ الكـافيَ اللهُ واللهِ مـالكَ غَـيرُ اللهِ مِنْ أَحَـدٍ فَحَسْبُك اللهُ
في كلٍ لكَ اللهُ فالتَّفاؤلُ شُعُورٌ وِجْدَانيٌ جَميل، يُعالجُ الفِكْرَ، ويُكَافِحُ هَوَاجِسَ
التَّكَدُّرِ، وأَشْـبَاحَ الـمَخَاوفِ، ويُحدِث التوازن في شخصية المسلم،
وفي التَّفَاؤُل انْتِصَارٌ للنفسِ التَّوَّاقَةِ على النَّفْسِ الخَوَّارَةِ، ولو استجلبنا العمل
للدين، واستنهضنا الهمم فلن نجد محفزاً كمثل التَّفَاؤُل؛ فبه يُصَبِّـرُ المرءُ
نفسَهُ على مُرِّ القضاءِ، ويَتَعَبَّـدُ للهِ بانتظارِ الفَرَجِ والرَّجاءِ.

وإذا تجذَّرتْ شجرةُ التفاؤلِ في قِيْعَانِ القلوبِ أَوْرَثَتْ طمأنينةً، وأَشرقتْ نُوراً
، لِيحْرِقَ هذا النورُ كلَّ ظلامٍ دَامسٍ صَاغَهُ الكسلُ، ونَسَجَهُ التَّشَاؤُم. فلقد كان
حبيبنا وقدوتُنا صلى الله عليه وسلم كثيراً ما تَتَحرَّكُ بين جَوانِحِه خلجاتُ
الفألِ، فكان يعجبه الفأل، وكان يتفاءل في شدة الأزمات، وسوداوية الواقع.
ونحن نتحيَّن شعيرةَ الحجِّ لعلَّ مِنَ المناسبِ أنْ نَتَحَسَسَ صُورَ الفأْلِ في هذا
المنْسَكِ الرَّبَاني المبارَكِ؛ ففي مدرسةِ الحجِّ من الخيرِ لهذه الأمةِ ما يَجْعلُ
القلبَ يَنْبضُ فَأْلاً وأَمَـلاً:

{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21]

. أولى صُورِ الفَأْلِ من مَشْهَدِ الحجِّ هي بقاءُ هذا الدِّين: وهل بقاءُ الدِّين
إلا بِبَقاءِ شَرائعِه الظاهرةِ، فشعيرةُ الحجِّ فَريضةٌ ضاربةٌ في أَعْماقِ الزَّمانِ،
أذَّنَ الخليلُ - عليه السلامُ - بالناسِ بالحج، فاستجيبَ لندَائِه، فحجَّ الأنبياء مع
أمَمِهِم وثجَّوا، ولبَّوا وعجَّوا. وما زالتْ تلك الفريضةُ تهفوا القلوبُ لها،
وتَسيرُ الرَّواحِلُ إليها، مؤذنةً ببقاءِ هذا الدينِ ولو كره الكافرون. يقولُ أحدُ
المنصرينَ متحدِّثاً عن تجربتِه مع التنصيرِ في البلدانِ الإسلاميةِ:
(سيَظَلُّ الإسلامُ صخرةً عاتيةً تتحطَّمُ عليها سفنُ التبشيرِ النصراني ما دامَ
للإسلامِ هذه الدعائمُ: القرآنُ، واجتماعُ الجمعةِ الأسبوعي، ومؤتمرُ الحجِّ
السنوي).



أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين