المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الصبر الحلقه الاخيره


vip_vip
09-22-2012, 11:44 AM
27 وعن أبي يحيي صهيب بن سنان رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن:
إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)

(110).[ رواه مسلم].


الشرح (http://www.ataaalkhayer.com/showthread.php?t=6628)

قال المؤلف- رحمه الله- فيما نقله عن صهيب الرومي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

((عجباً لأمر المؤمن إنَّ أمْرَهُ كلَّه له خير))

أي: إن الرسول عليه الصلاة والسلام أظهر العجب على وجه الاستحسان ((لأمر المؤمن))
أي: لشأنه.فإن شأنه كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن.

ثم فصَّل الرسول عليه الصلاة والسلام هذا الأمر الخير، فقال:

((إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له))

هذه حال المؤمن. وكل إنسان ؛ فإنه في قضاء الله وقدره بين أمرين:إما سرَّاء،
وإما ضرَّاء،والناس في هذه الإصابة - السراء أو الضراء - ينقسمون إلى قسمين:



http://im30.gulfup.com/2012-03-01/133063284744.jpg (http://www.ataaalkhayer.com/showthread.php?t=6628)


مؤمن وغير مؤمن، فالمؤمن (http://www.ataaalkhayer.com/showthread.php?t=6628) (http://www.ataaalkhayer.com/showthread.php?t=6628)على كل حال ما قدر الله له فهو خير له، إن أصابته الضراء صبر على أقدار الله،
وانتظر الفرج من الله، واحتسب الأجر على الله؛ فكان ذلك خيراً له، فنال بهذا أجر الصائمين.

وإن أصابته سراء من نعمة دينية؛ كالعلم والعمل الصالح، ونعمة دنيوية؛ كالمال والبنين والأهل شكر الله،
وذلك بالقيام بطاعة الله. لأن الشكر ليس مجرد قول الإنسان: أشكُرُ الله،بل هو قيام بطاعة الله - عز وجل.

فيشكر اللهَ فيكون خيرًا له، ويكون عليه نعمتان: نعمة الدين، ونعمة الدنيا.
نعمة الدنيا بالسراء، ونعمة الدين بالشكر، هذه حال المؤمن، فهو على خير، سواء أصيب بسراء،
أو أصيب بضراء.
وأما الكافر فهو على شر- والعياذ بالله- إن أصابته الضراء لم يصبر، بل تضجَّر، ودعا بالويل والثُّبور،
وسب الدهر، وسب الزمن، بل وسب الله- عز وجل- ونعوذ بالله.
وإن أصابته سراء لم يشكر الله، فكانت هذه السراء عقاباً عليه في الآخرة، لأن الكافر لا يأكله أكلة،
ولا يشرب إلا كان عليه فيها إثم، وإن كان ليس فيها إثم بالنسبة للمؤمن، لكن على الكافر إثم،

كما قال الله تعالى:

{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ
قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ }

[الأعراف: 32] ،

هي للذين آمنوا خاصَّة، وهي خالصة لهم يوم القيامة، أما الذين لا يؤمنون فليست لهم،
ويأكلونها حراماً عليهم، ويُعاقبون عليها يوم القيامة.
فالكافر شر، سواء أصابته الضراء أم السراء، بخلاف المؤمن فإنه على خير.
وفي هذا الحديث: الحث على الإيمان وأن المؤمن دائما في خير ونعمة .

وفيه أيضاً: الحث على الصبر على الضراء، وأن ذلك من خصال المؤمنين .
فإذا رأيت نفسك عند إصابة الضراء صابراً محتسباً، تنتظر الفرج من الله - سبحانه وتعالى-
وتحتسب الأجر على الله؛ فذلك عنوان الإيمان، وإن رأيت العكس فلُمْ نفسك، وعدِّل مسيرك، وتُبْ إلى الله.

وفي الحديث أيضاً: (http://www.ataaalkhayer.com/showthread.php?t=6628)

الحث على الشكر عند السراء، لأنه إذا شكر الإنسان ربه على نعمة فهذا من توفيق الله له،
وهو من أسباب زيادة النعم، كما قال الله تعالى:

{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}

[إبراهيم: 7]،
وإذا وفَّق الله الإنسان للشكر؛ فهذه نعمة تحتاج إلى شكرها مرة ثالثة … وهكذا،
لأن الشكر قلَّ من يقوم به، فإذا منَّ الله عليك وأعانك عليه فهذه نعمة.
ولهذا قال بعضهم: (http://www.ataaalkhayer.com/showthread.php?t=6628)

إذا كان شُكري نعمةَ الله نعمة *** عليَّ له في مثلها يَجِبُ الشُّـكرُ
فكيف بلوغُ الشكرِ إلا بفضله *** وإن طالت الأيامُ واتَّصَلَ العمرُ

وصدق - رحمه الله- فإن الله إذا وفقك للشكر فهذه نعمة تحتاج إلى شكر جديد،
فإن شكرت فهي نعمة تحتاج إلى شكر ثانٍ، فإن شكرت فهي نعمة تحتاج إلي شكر ثالث. وهلم جرّا.

ولكننا- في الحقيقة- في غفلة عن هذا . نسأل الله أن يُوقظ قلوبنا وقلوبكم،
ويصلح أعمالنا وأعمالكم؛ إنه جواد كريم.

* * *

28- وعن أنس رضي الله عنه قال: لما ثَقُل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشَّاه،
فقالت فاطمة رضي الله عنها: وا كَرْبَ أباه. فقال:

((ليس على أبيك كربٌ بعد اليوم)).

فلما مات قالت: يا أبتاه أجاب رباه دعاه، يا أبتاه مَن جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه
فلما دُفن قالت فاطمة عليها السلام: يا أنس،
أطابت أنفسكم أن تحْثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب؟(111) [رواه البخاري].

http://im30.gulfup.com/2012-03-01/1330632847966.jpg (http://www.ataaalkhayer.com/showthread.php?t=6628)

الشرح

قال المؤلف- رحمه الله تعالى- فيما رواه عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-
أن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه

((جعل يتغشاه الكرب)) أي: من شدة ما يصيبه جعل يُغشى عليه من الكرب؛ لأنه عليه الصلاة والسلام
يُشدَّد عليه الوعك والمرض، كان يوعك كما يوعك الرَّجُلان من الناس.
والحكمة في هذا ، من أجل أن ينال صلى الله عليه وسلم أعلى درجات الصبر.فإن الصبر منزلة عالية،
لا ينال إلا بامتحان واختبار من الله- عز وجل- لأنه لا صبر إلا على مكروه.
فإذا لم يُصب الإنسان بشيء يكره فكيف يعرف صبره، ولهذا قال الله تعالى:

{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِين}

[محمد:31]،

فكان النبي صلى الله عليه وسلم يوعك كما يوعك الرَّجُلان من الناس.
فجعل يتغشاه الكرب، فتقول فاطمة- رضي الله عنها- ((وا كرب أباه))
تتوجع له من كربه، لأنها امرأة ، والمرأة لا تطيق الصبر.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (( لا كرب على أبيك بعد اليوم))
لأنه صلى الله عليه وسلم لما انتقل من الدنيا انتقل إلى الرفيق الأعلى،
كما كان صلى الله عليه وسلم - وهو يغشاه الموت- يقول

((اللهم في الرفيق الأعلى، اللهم في الرفيق الأعلى ))
(112) وينظر إلى سقف البيت صلى الله عليه وسلم .
توفي الرسول عليه الصلاة والسلام، فجعلت، رضي الله عنها- تندبه،
لكنه ندب خفيف، لا يدل على التسخط من قضاء الله وقدره.

وقولها((أجاب ربا دعاه)) لأن الله - سبحانه وتعالى- هو الذي بيده ملكوت كل شيء، آجال الخلق بيده،
تصريف الخلق بيده، كل شيء إلى الله، إلى الله المنتهى وإليه الرجعى.

فأجاب داعي الله، وهو أنه صلى الله عليه وسلم إذا توفي صار كغيره من المؤمنين،
يصعد بروحه حتى توقف بين يدي الله- عز وجل- فوق السماء السابعة. فقالت : وا أبتاه، أجابَ ربَّا دعاه.

وقولها: (( وا أبتاه جنة الفردوس مأواه))
صلى الله عليه وسلم لأنه عليه الصلاة والسلام أعلى الخلق منزلة في الجنة،
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم

(( اسألوا الله لي الوسيلة؛
فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله،
وأرجو أن أكون أنا هو))(113).

ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم مأواه جنة الفردوس، وجنة الفردوس هي أعلى درجات الجنة،
وسقفها الذي فوقها عرش الرب جل جلاله، والنبي عليه الصلاة والسلام في أعلى درجة منها.

قولها : ((يا أبتاه إلى جبريل ننعاه)) النعي: هو الإخبار بموت الميت، وقالت :
إننا ننعاه إلى جبريل لأن جبريل هو الذي كان يأتيه بالوحي صباحاً ومساء.
فإذا فقد النبي عليه الصلاة والسلام ؛ فُقد نزول جبريل عليه الصلاة والسلام إلى الأرض بالوحي؛ لأن الوحي انقطع بموت النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم لما حمل ودفن رضي الله عنها: ((أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب؟)) يعني من شدة وجْدها عليه، وحزنها ، ومعرفتها بأن الصحابة- رضي الله عنهم- قد ملأ قلوبهم محبة الرسول عليه الصلاة والسلام فهل طابت؟
والجواب: أنها طابت؛ لأن هذا ما أراد الله- عز وجل- وهو شرع الله،
ولو كان النبي عليه الصلاة والسلام يُفدى بكل الأرض لفداه الصحابة رضي الله عنهم.
لكن الله - سبحانه- هو الذي له الحكم، وإليه المرجع، وكما قال الله تعالى في كتابه:

{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ(30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}

[الزمر:30،31] .

http://im30.gulfup.com/2012-03-01/1330632848367.jpg


الفوائد:


في هذا الحديث بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كغيرة من البشر، يمرض ويجوع، ويعطش،ويبرد ،
ويحتر وجميع الأمور البشرية تعتري النبي صلى الله عليه وسلم ، كما قال صلى الله عليه وسلم

(( إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون))(114).

وفيه: رد على هؤلاء القوم الذين يُشركون بالرسول صلى الله عليه وسلم ؛ يدعون الرسول عليه الصلاة والسلام ،
ويستغيثون به وهو في قبره، بل إن بعضهم- والعياذ بالله- لا يسأل الله تعالى ويسأل الرسول صلى الله عليه وسلم؛
كأن الذي يجيب هو الرسول عليه الصلاة والسلام، ولقد ضلوا في دينهم وسفهوا في عقولهم.
فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعا فكيف يملك لغيره؟!

قال الله تعال آمراً نبيه

{قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ}

بل هو عبد من عباد الله؛ ولهذا قال:

{إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ }

[الأنعام: 50 ] .

وقال الله- سبحانه- له أيضا

{ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21)
قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا}

فهذا دليل على أن من سواها من باب أولى.
ففيه ضلال هؤلاء الذين يدعون الرسول صلى الله عليه وسلم تجدهم في المسجد النبوي
عند الدعاء يتجهون إلى القبر، ويصمدون أمام القبر كصمودهم أمام الله في الصلاة أو أشد.
وفي هذا الحديث : دليل على أنه لا باس بالندب اليسير إذا لم يكن مؤذنا بالتسخط على الله عز وجل،
لأن فاطمة ندبت النبي عليه الصلاة والسلام، لكنه ندب يسير ، وليس يَنِمُّ عن اعتراض على قدر الله عز وجل.

وفيه دليل: على أن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها بقيت بعد موته
ولم يبق من أولاده بعده إلا فاطمة،كل أولاده من بنين وبنات ماتوا في حياته صلى الله عليه وسلم.
بقيت فاطمة ، ولكن ليس لها ميراث، لا هيَ، ولا زوجاته، ولا عمه العباس، ولا أحد من عصبته؛
لأن الأنبياء لا يُورثون،كما قال النبي عليه الصلاة والسلام :

(( إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقة))(116).

وهذا من حكمة الله - عز وجل- لأنهم لو ورَّثوا لقال من يقول : إن هؤلاء جاءوا بالرسالة يطلبون
ملْكا يورث من بعدهم؛ ولكن الله - عز وجل- منع ذلك.
فالأنبياء لا يورثون ، بل ما يتركونه يكون صدقة يصرف للمستحقين له والله الموفق.





http://im30.gulfup.com/2012-03-01/1330632847135.jpg


انتهى






شرح رياض الصالحين


باب الصَّبر



الفقيه العثيمين رحمه الله