المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 5823


حور العين
04-05-2023, 07:50 AM
من:إدارة بيت عطاء الخير
http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641

درس اليوم

رمضان..مدرسة وثمرات

الشهر المعظَّم مدرسة يتخرَّج منها الربَّانيون الأتقياء الأَبْرار،
ويتربَّص بها لصوص رمضان لإبطال مفعولها.

إذا فقه المسلم دينَه، وأَمْعن النظرَ في نصوصه، وحاز وعيًا كافيًا بمقاصد
الشريعة، وعاش التجربة الإيمانية بنفسه - عرف أنَّ صيام رمضان ليس
موسمًا بين المواسم، ولا مناسبة متميِّزة فحَسْب؛ بل هو مدرسة متكامِلة
الأركان والمناهج تُخرِّج الربانيِّين الذين يَصلحون ويُصلحون، يتدرَّبون فيها
على تزْكية أنفسهم وإصلاحِ غيرهم؛ لأنَّهم يكونون قد اكتسبوا رصيدًا دسمًا
من مقوِّيات الإيمان والأخلاق القلبيَّة والسلوكيَّة الرفيعة التي تؤهِّلهم لتسنُّم

مدارج الكمال، وتمثيل الإسلام بجميع شُعَبه.

إنَّه مدرسة تقوية الروح؛ لأنَّه يحرِّر المؤمنَ من سلطان الغرائز وطغيان
الشهوات، ويرفعه من دركات الحيوانية إلى المرتقى العالي، إلى عالَم
الملائكة ليحدث التوازن في حياته الإيمانية والاجتماعية؛ لذلك كانت

دعوة الصَّائم مستجابة حين يُفطر أو حتى يُفطر.

كما أنَّه مدرسة تنمية الإرادة ورفع مستوى الصبر لدى الصائم؛ فيتحمَّل ما
لا يمكن أن يتحمَّله غيره بنفسٍ راضية ومعنويات مرتفعة، وليس الامتناع
عن الأمور المعتادة في حياة الإنسان بالشيء السَّهل، فكيف بالكفِّ عن

الطعام والشراب خاصة في فصل الصيف؛ حيث يطول النَّهار وترتفع
الحرارة، ولا تمتدُّ يد الصائم إلى الماء البارد وهو في متناوله ولا رقيب عليه
إلاَّ ضميره؟ فيتكوَّن له من ذلك رصيد هائل من الإرادة ليواجه طوال السَّنة
تحدِّيات الحياة، كما يخرج من رمضان وهو قادر على تحمُّل الأعباء الجِسام

في تقرُّبه إلى الله وفي نشاطه الدنيوي.

ورمضان محطَّة تجريبيَّة للتعريف الميداني - فضلاً عن التأصيل النظري –
بنِعَم الله تعالى، التي كثيرًا ما يغفل عنها الإنسان وهو يرفل فيها ويتقلَّب
في أعطافها، ولا يعرف أهميتها إلاَّ عند حرمانه منها، فهنا يحسُّ طيلة أيام
الشهر بالجوع والعطَش والحرمان الجنسي، وذلك حريٌّ بالتأثير فيه ليكون
على شعورٍ مباشر بحالة المحرومين والمعدَمِين في هذه الدنيا، فتتحرَّك فيه
نوازع الإنسانية، ويخرج من قَوْقعة الأنانية والطواف بذاته ليتواصل إيجابيًّا
بمن هم في حاجة إلى لقمة العيش وشَربة الماء والتحصين بالزواج وحبَّة
الدواء، وهذا يعلِّمه الحنوَّ ويحرِّك نفسَه بالبذل والعطاء، وقد تعلَّم من سنة

الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحديث:

((عَرض عليَّ ربي أن يجعل لي بطحاء مكَّة ذهبًا، فقلتُ: لا، ولكن أَشْبع
يومًا وأجوع يومًا، فإذا جُعتُ تضرعتُ إليك ودعوتُك، وإذا شبعتُ شكرتُك

وحمدتك))؛ رواه الترمذي. [قال الألباني: ضعيف جدًّا].

وقد كان نبيُّ الله داود عليه السلام - وهو ملِك مَكَّن الله له تمكينًا عظيمًا في
الأرض على رأس حضارة كبيرة وأدوات غير متاحة لغيره - يصوم يومًا

ويفطر يومًا، وما ذلك إلاَّ سلوك الأتقياء الأبرار الذين يجنحون إلى عيش
الضعفاء حتى لا تحدِّثهم أنفسهم بشيء من الاستغناء والصلف.

وقبل كلِّ هذا فشهر الصيام مَوسم الطاعات والقربات والعبادات الكثيرة
المتنوِّعة، إرضاء لله تعالى وحبًّا له ورجاء في عفوه وخشية من عقابه
ورغبة في جنَّته، ذلك الجزاء الأوفى الذي تتوق إليه نفوسُ المؤمنين،

وهو أسمى أمانيها وأغلى طموحها.


أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين