المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 5789


حور العين
04-12-2023, 08:55 AM
من:إدارة بيت عطاء الخير
http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641

درس اليوم


أنا وحوار العشر ليال

كُنْتُ في غرفتي أتأمَّلُ سُرْعةَ الزمن، الأيَّامُ تمرُّ بشكْلٍ خاطف، والساعات
يُلاحِق بعضُها بعضًا، وكأنها العَجِلُ الخائف، تبدأ سنة وسرعان ما يُقال:
عام ارتحل، وعام جديد أطلَّ، ومع دولاب الحياة المتسارع يقف في الخاطر
سؤال حائر، هناك بعض الأزمنة خصَّها الله بخصائص، وميَّزها بميزات –
وكأنها تشابه الصديق الحميم بين جَمْعٍ من الأقران - فضَّل الله يومًا،
وعدد أيام في أشهر حرام، ولياليَ عَشْرًا من أفضل شهر في العام!

تسامر خَلَدي مع بناني ليفُصِحَ عن شيء من مكنُونِ
فؤادي حتى تعالى الصوتُ، ووصل إلى أُذُن البيان؛ فكتب:
لماذا العَشْر الأواخر من رمضان خُصَّتْ؟ ولماذا لياليها بالفَضْل تسامَتْ؟!

خرجتُ مُسْرِعةً إلى فناء المنزل أتأمَّل في الليل وأتفكَّر، فصِحْتُ بصوتٍ يُريدُ
الجواب، وقلتُ مُناجيةً تلك الليالي: أيتها العَشْر، مَنْ أنتِ؟! اكشفي الستار،
وعرِّفي عن نفسك، لماذا عن غيرك تميَّزْتِ؟! ألسْتِ بنت الليل،
وكل الليالي سواء؟! ما لَكِ لا ترُدِّين الجوابَ؟!

أخذت أجول ببصري، أبحث عن الجواب، فقُلْتُ في ثبات: أأنْتِ الشهابُ الذي
سطَع نورُه في ساحات السماء؟! أم أنتِ صورة البَدْر التي رسمت
جمالَ ليلةٍ ظَلْماء؟!

أيتها العشر، أأنتِ كوكبٌ دُرِّيٌّ يدور في الأفلاك كالمصباح؟!
أم النجم اللامع الذي يهدي السُّرى للفلاح؟!
أيتها الليالي، هل أنت غَيْمةٌ مُحمَّلة بالمطر، جميلة الأثر؟!

من أنت أيتها الفاضلة؟! لُطْفًا، أفْصِحي، وشرِّفينا بمعرفتك، فأجابتني بجمال
رُوحها الوضَّاء، وبصوتها البلسم الشافي لكل داء: أنا بستان ذو أشجار،
يتفيَّأ زُوَّاري تحت ظلال الطاعات، ويستريحون على سماع عذب الآيات،
وينهلون من مَعِينِ نهر الدعوات الصالحات، وينظرون بابتسام لفراشات
الرُّوح، وهي تَحُوم حول أزهار الاستغفار، وتُحلِّق فوق ورود تسبيح رب
البريَّات؛ لأرسم للجميع خارطة جمال الوجود، وأعطيهم سِرَّ سعادة الحياة
بجود، بفعل ما يُرضِي الربَّ المعبود، هذا أنا باختصار، وذا فَصْلُ الكلام.

قُلْتُ بـاندفاع: يا لـَعظَمة زمانك!! فيا شريفة القَدْر،
أغْدِقي علينا من خيرك الدَّفِين!!

قالت وهي مبتهجة: ما أنا إلا وسيلة وصول لنيل المطلوب؛ لذا:
• اعملي كثيرًا واسعي سعيًا حثيثًا إلى إرضاء مَنْ خَلَقَكِ، وربَّاكِ بِنَعَمِه.

• واعلمي أن المراتب العالية لا تأتيك هِبةً؛ ولكنها تُنالُ بالمناهبة.


خفق القلبُ بصادق حُبٍّ، وهتف اللسانُ، ونادى كلَّ ذِي لُبٍّ: يا مُؤمِّلَ الآمالِ
انهَضْ، ويا بانيَ الْمُنى شَمِّرْ؛ ها هي العَشْر استهلَّت بالبِشْر، وضَمَّت لياليها
أعظم كَنْزٍ، قُمْ يا صاح، ألهب هِمَّتك، وجدِّد عَزْمَك، شِدَّ مِئْزرَك، وأيقظ أهْلَكَ؛
فقد مضى عهد الرُّقاد، وحان زمن الجد والاجتهاد، أقْبِل بقلبك على ربِّك،
وأرِ اللهَ من نفسك خيرًا؛ فإنما هو شِبْر بذِراعٍ، وذِراعٌ بِباعٍ، فإذا أتيْتَه مَشْيًا
أتاك هَرْوَلة، اركُضْ برِجْلِك، هذا فَيْضُ خيرٍ ونَبْعُ عطاءٍ،
وردِّد بلسان الحال والمقال: ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ [طه: 84].

ها هي العَشْر نبراس أطَلَّ فاستبشروا، وعمُّوا الخبر، ها هي العَشْر قنديل
أملٍ؛ فسارعوا وسابقوا لكل خير، ها هي العَشْر زاد لمن نهل من الكتاب،
وعلى الطاعات صبر، ها هي العَشْر تُرشِد من ضَلَّ عن الدَّرْب، وتجبُر
ما بتر، ها هي العَشْر نور، وقدْ فاز -وربِّي- مَنْ بالعتق ظَفَر، فيا رب،
أعِنَّا، وتقبَّل صالح القول والعمل، وبلِّغْنا بفضْلِك تمام الشهر.



أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين