تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم ( 09 – 20 )


حور العين
06-17-2023, 10:05 AM
من:إدارة بيت عطاء الخير
http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641

درس اليوم

الاستمتاع بالبيت العتيق والحجر الأسعد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم،

وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:



أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاستمتاع بالبيت العتيق والحَجَر

الأسود والاحتفاء بهما، قبل أن يُرفعا، وذلك بالإكثار من الطواف حول

البيت واستلام الحجر وتقبيله والتزامه، وفي ذلك عدة أحاديث، منها:



1- عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

(اسْتَمْتِعُوا مِنْ هَذَا الْبَيْتِ[1]؛ فَإِنَّهُ قَدْ هُدِمَ مَرَّتَيْنِ[2]،

وَيُرْفَعُ فِي الثَّالِثَةِ[3])[4].

والمراد من الاستمتاع به: إكثار الطواف، والحج، والاعتمار،

والاعتكاف[5]، ودلَّ الحديث كذلك على استحباب الإكثار من الطواف

ابتداءً من غير حجٍّ ولا عمرة[6]، وأن المسلم يستمتع بالأعمال الصالحة.



احتفاء النبي صلى الله عليه وسلم بالحَجَر والحث على الإكثار من استلامه:

2- عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال:

(نزل جبريلُ - عليه السلام - بالحَجَر من الجنة، فَوَضَعَه حيث رأيتم، وإنكم

لن تزالوا بخير ما بقي بين ظهرانيكم، فاستمتعوا منه ما استطعتم،

فإنه يوشك أن يجيء فيرجع به من حيث جاء)[7].



وإذا ثبتَ هذا عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - يكون له حكم الرفع،

حيث لا مجال فيه للرأي والاجتهاد، فيكون المراد من الاستمتاع بالحَجَر:

تقبيله، واستلامه بحقٍّ، ومصافحته، ومسحه، والمُسْتَمْتِع بالحَجَر

مستمتِع بالبيت العتيق؛ لأنه قلْبُه ولُبُّه.



3- عن سُوَيْدِ بن غَفَلَةَ - رضي الله عنه - قال:

(رَأَيْتُ عُمَرَ قَبَّلَ الْحَجَرَ، وَالْتَزَمَهُ، وقال:

(رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِكَ[8] حَفِيًّا[9])[10].



قال البغوي - رحمه الله:

(والعمل على هذا عند أهل العلم، يستحبون تقبيل الحجر الأسود، فإن لم يُمكنه، استلمه بيده، وقبَّل يده، ويفعله في كل طَوْفَة، فإن لم يمكن، ففي كلِّ

وتر، فإن لم تصل يده إليه استقبله إذا حاذاه وكبَّر، وهو قول الشافعي.





قال أبو سليمان الخطابي - على حديث عمر: فيه من العلم أن متابعة السنن

واجبة، وإن لم يوقف لها على عللٍ معلومة، وأسبابٍ معقولة، وأنَّ أعيانها حُجَّةٌ على مَنْ بلغته وإن لم يفقه معانيها، إلاَّ أنَّ معلوماً في الجملة:

أن تقبيل الحجر إنَّما هو إكرام له، وإعظام لِحَقِّه، وتبرُّك به،

وقد فضَّل الله بعض الأحجار على بعض، كما فضَّل بعض البقاع والبلدان،

وكما فضَّل بعض الليالي والأيام والشهور، وباب هذا كله التسليم)[11].



4- عن عَابِسِ بن رَبِيعَةَ عن عُمَرَ - رضي الله عنه؛ أَنَّهُ جاء إلى الْحَجَرِ

الأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ، فقال: (إني أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لاَ تَضُرُّ ولا تَنْفَعُ،

وَلَوْلاَ أَنِّي رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ)[12].



قال ابن الجوزي - رحمه الله: (في هذا الحديث فنان من العلم: أحدهما: أن عمر - رضي الله عنه - لَمَّا عَلِمَ إلْفَ الجاهلية للحجارة، تكلَّم بهذا كالمعتذر من مَسِّ الحجر، وبيَّن أنه لولا الشَّرع لم أَفْعَلْ شيئاً من جنس ما كُنَّا فيه. والثاني: أن السُّنن تُتَّبع، وإن لم يُطَّلَعْ على معانيها، على أنه قد عُلِمَ سببُ

تعظيم الحجر)[13]. ومِمَّا زاد الحجر الأسود شرفاً وفخراً - بعد كُلِّ الذي

تقدَّم من الفضائل - تقبيلُ النبي صلى الله عليه وسلم له.





شبهة وردُّها:

أمَّا الشبهة:

فقد أثار بعض الحاقدين على الدِّين والحانقين على المسلمين شبهةً غايةً في

الخطورة، وهي: أنَّ تعظيم المسلمين للكعبة، وطوافَهم حولها، واستلامَهم

الحجرَ الأسود وتقبيلَه، ما هي إلاَّ مظاهر وثنيَّة وبقايا تأثُّرهم بدين آبائهم.



وردُّها يتمثَّل فيما يلي:

إنَّ الإيمان المستقر في نفوس المؤمنين هو السِّر الحقيقي وراء امتثالهم

لأوامر ربهم، فهم يؤمنون أن الأماكن والأزمنة لا فضلَ لها في ذاتها،

ولا شرفَ لها في جوهرها، وإنما الفَضْل والشَّرف نابِعٌ من أسبابٍ خارجةٍ

عنها جميعاً، وأن الله تعالى قد اقتضت حكمته أن يُفضِّل بعض الأماكن على

بعض، ويُعلي شأن بعض الأزمان على بعض؛ ليمتحنَ المؤمنين الموحِّدين،

ويُمحِّصَهم، ويُميِّزَهم عن غيرهم؛ فكلَّفهم بتكليفاتٍ، وأمرهم بأوامرَ تتعلَّق

بهذه الأماكن وتلك الأزمنة، وتنفيذُ المؤمنين لهذه التَّكليفات وقيامُهم بها

إنما هو امتثال لمطلق الأمر الإلهي، فهم في حقيقة الأمر إنما يتعبَّدون

إلى الله تعالى، لا إلى حجر، أو بيت، أو زمن



وهذا ينطبق تماماً على تعبُّدهم بالطواف حول الكعبة، وتقبيلِ الحجر الأسود،

فهذا غاية الامتثال لأوامر الله تعالى؛ فالله تعالى الذي أمرهم بعبادته وحده،

وعدمِ السجود للأوثان والأصنام والأحجار، وعدمِ التقرب إليها، أو الاعتقاد

في نفعها وضَرِّها، هو نفسُه - تعالى - الذي يأمرهم بتعظيم الكعبة - وهي

من حجارة، وتعظيمِ الحجر الأسود - وهو حجر، بصرف النظر عن

أوصافهما، أو شرفهما، أو مكانتهما؛ لينظرَ - سبحانه - ما يفعل المؤمنون

الموحِّدون إزاء أوامره سبحانه وتعالى، وليعلمَ الجميع أن التعظيم إنما للأمر

الإلهي، وأن الامتثال للإرادة الربانية، لا لحجرٍ، ولا لغيره، وفي هذا غاية

الخضوع والاستسلام لله تعالى، وهما جوهر الدِّين ولُبُّه، والمؤمنون بهذا

التنفيذ لأوامر الله تعالى مُشابهون للملائكة الكرام عليهم السلام حينما أمرهم

ربُّهم جَلَّ وعلا أن يسجدوا لآدم - عليه السلام، ففطِنوا إلى أنَّ السجود لآدم

ليس تعبُّداً له، ولا تقرُّباً إليه، وإنما هو تنفيذٌ للأمر الإلهي، وخضوعٌ للمشيئة

الربانية، وتعبُّدٌ لله وحده، فكانت نجاتهم جميعاً.



وعندما خالفهم إبليس اللعين، فذلك لقصورٍ في فهمه، مرجِعُه إلى غروره

وكِبْرِه، فكان هلاكه ودماره وخروجه من رحمة الله تعالى، والناس جميعاً

فريقان لا ثالث لهما: إما إلى زمرة المؤمنين الكرام،

وإما إلى حزب الشيطان.



[1] (اسْتَمْتِعُوا مِنْ هَذَا الْبَيْتِ): (مِنْ)

هنا بمعنى الباء، أي: بهذا البيت؛ كما جاء في الروايات الأخرى الصحيحة.



[2] (هُدِمَ مَرَّتَيْنِ): جاء في (الكشاف)، (1/ 414): (أوَّل مَنْ بناه إبراهيم –

عليه السلام، ثم بناه قوم من العرب من جُرْهُم، ثم هدم فبنته العمالقة،

ثم هدم فبنته قريش).



[3] (يُرْفَعُ فِي الثَّالِثَةِ): أي: يُرفع بعد الثالثة - وذلك بعد هدم ذي السويقتين

له - إذْ رَفْع ما قد هُدم مُحال؛ لأن البيت إذا هُدم لا يقع عليه اسم بيت،

إذا لم يكن هناك بناء. انظر: صحيح ابن خزيمة، (4/ 128)؛

التيسير بشرح الجامع الصغير، (1/ 150).



[4] رواه البزار في (مسنده)، (12/ 308)، (ح6157)؛ وابن خزيمة

في (صحيحه)، (4/ 128)، (ح2506)؛ وابن حبان في (صحيحه)،

(15/ 153)، (ح6753)؛ والحاكم في (المستدرك)، (1/ 608)،

(ح1610)؛ وأبو نعيم في (أخبار أصبهان)، (3/ 12)؛ والمنذري

في (الترغيب والترهيب)، (2/ 108)، (ح1701). وصححه الألباني

في (صحيح الجامع)، (1/ 225)، (ح955).



[5] انظر: فيض القدير، (1/ 500).



[6] انظر: إحياء علوم الدين، للغزالي (1/ 240).



[7] رواه الأزرقي في (أخبار مكة)، (1/ 63-64)، (رقم325)؛ والفاكهي

في (أخبار مكة)، (1/ 91)، (رقم25) واللفظ له، وإسناده حسن. انظر:

فضائل مكة الواردة في السنة - جمعا ودراسة، د. محمد الغبَّان

(2/ 715)، (رقم384).

[8] (بِكَ): المُخاطَب الحَجَر، لكن المقصود: إسماع الحاضرين؛ ليعلموا أنَّ

الغَرَض الاتباع لا تعظيم الحجر، كما كان عليه عَبَدَة الأوثان، فالمطلوب:

تعظيم أمر الرب، واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم. انظر:

حاشية السندي على سنن النسائي، (5/ 227).



[9] (حَفِيًّا): أي: مُعْتَنِياً به، بارًّا وَصُولاً، مُبالغاً في إكرامه وإلطافه والعناية

بأمره، يقال: أحفى به، وتحفَّى به، وحفي به، أي: بالَغَ في بِرِّه، وإكرامه،

وجَمْعُ حفيًّا: أحفياء. انظر: مشارق الأنوار على صحاح الآثار، للقاضي

عياض (1/ 208)؛ مختار الصحاح، (ص145)؛ صحيح مسلم

بشرح النووي، (9/ 17).



[10] رواه مسلم، (2/ 926)، (ح1271).

[11] شرح السنة، (7/ 113).

[12] رواه البخاري، (2/ 579)، (ح1520).

[13] كشف المشكل من حديث الصحيحين، (1/ 96).


أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين