المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم ( 20 – 20 )


حور العين
07-07-2023, 09:54 AM
من:إدارة بيت عطاء الخير
http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641

درس اليوم

مدرسة الحج



كنت أظن فيما سبق أن فريضة الحج لا تَعْدُو كونها أحدَ أركان الإسلام

الخمسة، التي إن أدَّاها الإنسان فقد أتم تلك الأركان، ومما لا شك فيه أنني

كنت على يقين أن هناك الكثير والكثير من القيم الرُّوحية والإيمانية التي

سوف يكتسبها المرء بعد أدائه تلك الفريضة، إلا أنني لم أكن أتخيل

أن الحج مدرسة عظيمة للتربية والتنقية، وتهذيب اﻷخلاق.



إن أكثر ما بهرني في فريضة الحج هو حالة الانقياد والتسليم التام ﻷمر ال

له عز وجل، دون أن يعلم المرء سببًا لتلك المناسك، بل إن ترتيب المناسك

ذاتها يدفعك دفعًا للتسليم، فبداية تخلع كل ملابس الدنيا اﻷنيقة، وترتدي كفنًا

أبيضَ من قطعتين، ثم تطوف بالبيت، وتُقبِّل حجرًا لا يضر ولا ينفع، وتسعى

بين جبلينِ لا ترى اليوم لهما إلا أثرًا بسيطًا، فإن كنت متمتِّعًا بالعمرة إلى

الحج، فإنك تحلق الشعر أو تقصره، كل تلك المناسك هي مناسك العمرة،

ما هي إلا تدريب على الطاعة، والإخبات لرب العالمين، أما إذا انتقلنا

إلى مناسك الحج؛ فإنك ترى عجبًا عُجابًا، بداية من يوم التروية تُعِدُّ ملابس

الإحرام، ثم تنطلق إلى وادٍ بين الجبال يُدعى "مِنى"، تنطلق في صبيحة

غداته إلى خارج الحرم، حيث عرفة؛ تبتهل وتدعو، فإذا غربَت الشمس

تنطلق إلى داخل الحرم، حيث مزدلفة، حيث النوم بلا عبادة، فإذا حان الفجر

وقفتَ تدعو حتى يُسفِر النهار، وهنا لا يسأل الإنسان: لماذا ندعو في عرفة

رغم أنها مشعر حلال، ولا ندعو في ليل مزدلفة رغم أنها مشعر حرام؟!

واﻹجابة هي التسليم لرب العالمين، في منى تقصر ولا تجمع، وفي عرفة

تقصر وتجمع، أما مزدلفة، فهناك تنطرح على فراش اﻷرض بثياب الموتى،

بين جموع البشر، وكأنه يوم الحشر.

وبعدها - وأنت ما زلت في إحرامك - تنحني على اﻷرض - كناية أنك منها،

وإليها تعود - لتجمع بعض حصيات - وكأنها جمرات - ثم تنطلق لرمي جمرة

العقبة الكبرى سبع حصيات، وعندها تشعر أن التنقية التي تمت في منى،

وعرفة، ومزدلفة، لا تَكْمُل إلا عندما تعلم مَن هو عدوك اﻷول، فتَرْجُمه،

ألا وهو الشيطان، وعندما تنتهي من رجمه تُسرع حتى تنحر الهدي؛ شكرًا

وتعبدًا لله عز وجل، وهنا تشعر أن قطرات الدم التي تسيل من اﻷضحية

ما هي إلا سيل يغسل تلك الذنوب التي اقترفتَها طَوالَ عمرك، وتحلق شعرك؛

حتى تصير كأنك طفل ولدتْك أمُّك من جديد، وعندها يحين التحلل من ملابس

اﻹحرام؛ لأنك عُدت مرة أخرى إلى اﻷحياء، خاليًا من الذنوب، ولكنك ما زلت

أسيرًا، فلا تنغمس في الدنيا، وخصوصًا النساء، فما زال يحرم عليك أن

تقرب زوجتك، حتى تأتي الحرم تطوف طوافَ اﻹفاضة، وتسعى بعدها،

وهنا فقط تعلم أنك عدت للحياة حرًّا طليقًا، وفي ذات الوقت عبدًا ذليلاً لرب

العالمين، وحتى لا تنسى أن هناك عدوًّا ينتظرك في الخارج يجب عليك أن

تبقى في فترة نقاهة ثلاث ليالي، وهي أيام التشريق، في تلك الفترة تخرج

كل يوم من مشفاك بعد الزوال تحت أشعة الشمس المحرقة ترمي الجمار

ثلاث مرات، فتبدأ بالصغرى، ثم تنتحي بعدها يمينًا، وتدعو طويلاً، وتُثنِّي

بالوسطى، ثم تنتحي بعدها يسارًا، وتدعو طويلاً، وتنتهي بالكبرى،

وبعدها لا تدعو، فلماذا دعوت في اﻷولى والثانية، ولم تدعُ في الثالثة؟!

ولماذا ذات اليمين في اﻷولى، وذات اليسار في الثانية؟!

إنه التسليم والانقياد.

وفي النهاية قُبلة على جبين الحجر الأسود في طواف الوداع،

فلله در الحج من مدرسة عظيمة للتسليم لرب العالمين!


أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين