المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التحذير من الكذب


adnan
12-15-2012, 08:40 PM
التحذير من الكذب
بسم الله الرحمن الرحيم

يقول السائل:

أحسن الله إليكم وبارك فيكم، ما قول فضيلتكم في كيفية التعامل مع
طالب العلم الذي يلتف حوله طلَّاب العلم وقد ثبت عليه الكذب؟.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وصلى الله على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلَّم.
أقول: هل هذا الذي وقع منه هل وقع منه على سبيل الغلط من
مرَّة والمرَّتين، بمعنى أنَّه لم يتعمَّده؟،
أمْ أنَّه مجرَّب عليه ومعروف به؟.

السائل: طبعًا هذا ثبت من أكثر من طالب علم أنَّه من خلال تعاملهم معه
قد ثبت عليه في أكثر من موقف.

الجواب:
نعم، إذا ثبت أنَّه يكذب في حديث الناس فهذا أمر عظيم وجريمة أعني:
الكذب،

ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو أن
النبي-صلى الله عليه وسلَّم-قال:

( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا،
وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةُ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا:
إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ )

وقد جاء عند الإمام ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان-له-
من قول عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-أنَّه قال:

(الْمُؤْمِنُ يُطْبَعُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا غَيْرِ الْخِيَانَةِ، وَالْكَذِبِ )
وصحح الإمام الألباني سنده.

وقال الحسن البصري-رحمه الله-في الصمت لابن أبي الدنيا:

[ يُعَدُّ مِنَ النِّفَاقِ: اخْتِلَافُ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَاخْتِلَافُ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ،
وَالْمَدْخَلِ وَالْمَخْرَجِ، وَأَصْلُ النِّفَاقِ، وَالَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ النِّفَاقُ: الْكَذِبُ ]
نعوذ بالله منه ومن أهله.

والإمام مالك بن أنس-رحمه الله-يقول :
كما خرَّج ذلك العقيلي في
الضعفاء واللفظ له أعني: في مقدِّمة الضعفاء وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل
وكذلك الحافظ ابن عبد البر في التمهيد وغيرهم أنَّه قال:

[ لَا يُؤْخَذُ الْعِلْمُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَيُؤْخَذُ مِمنْ سِوَى ذَلِكَ لَا يؤخذ مِنْ سَفِيهٍ
معلن بالسفه وإن كان أروى الناس، وَلَا يؤخذ مِنْ كَذَّابٍ يَكْذِبُ فِي
أَحَادِيثِ النَّاسِ إذا جُرِب ذلك عليه، وَإِنْ كَانَ لَا يُتَّهَمُ أن يكذب
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولا من صاحب هوى يدعو الناس
إلى هواه، وَلَا مِنْ شَيْخٍ لَهُ فَضْلٌ وَعِبَادَةٌ إِذَا كَانَ لَا يَعْرِفُ الحديث ]
انتهى كلام الإمام مالك.

ويقول الإمام أحمد إمام أهل السنَّة:

[ يكتب الحديث عن الناس كلهم إلا عن ثلاثة: صاحب هوى يدعو إليه، أو كذاب،
أو رجل يغلط في الحديث فيرد عليه فلا يقبل ]
ذكر هذا ونقله عنه العلَّامة ابن مفلح في الآداب الشرعية.

وقال الإمام عبد الرحمن بن مهدي في العلل ومعرفة الرجال
للإمام عبد الله ابن الإمام أحمد، قال:

[ ثَلَاثَة لَا يحمل عَنْهُم : الرجل الْمُتَّهم بِالْكَذِبِ وَالرجل كثيرًا الْوَهم
والغلط وَرجل صَاحب هوى يَدْعُو إِلَى بِدعَة ]
نعوذ بالله من ذلك.

فالكذب أمره خطير وعظيم جدًا، وأول ما يسري الكذب يسري على اللسان-
نعوذ بالله من ذلك-، فيفسد اللسان ثمَّ يسري إلى الجوارح كما
قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-في الفوائد وبيَّن مفاسد الكذب،
فإنَّه قال-رحمه الله-معلِّقًا على :
حديث رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلَّم-الثابت في الصحيحين:

( فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ )
قال:
[ وَأول مَا يسري الْكَذِب من النَّفس إِلَى اللِّسَان فيفسده
ثمَّ يسري إِلَى الْجَوَارِح أي: فيفسد اللسان.
قال ) :ثمَّ يسري إلى الجوارح فَيفْسد عَلَيْهَا أَعمالهَا كَمَا أفسد على اللِّسَان
أَقْوَاله فَيعم الْكَذِب أَقْوَاله وأعماله وأحواله فيستحكم عَلَيْهِ الْفساد
ويترامى داؤه إِلَى الهلكة إِن لم يتدْاركهُ الله بدواء الصدْق يقْلع
تِلْكَ من أَصْلهَا .
وَلِهَذَا كَانَ أصل أَعمال الْقُلُوب كلهَا الصدْق وأضدادها من الرِّيَاء
وَالْعجب وَالْكبر وَالْفَخْر وَالْخُيَلَاء والبطر والأشر وَالْعجز والكسل
والجبن والمهانة وَغَيرهَا أَصْلهَا الْكَذِب فَكل عمل صَالح ظَاهر
أَو بَاطِن فمنشؤه الصدْق وكل عمل فَاسد ظَاهر أَو بَاطِن فمنشؤه
الْكَذِب وَالله-تَعَالَى-يُعَاقب الْكذَّاب بِأَن يقعده ويثبطه عَن مَصَالِحه
ومنافعه ويثيب الصَّادِق بِأَن يوفقه للْقِيَام بمصالح دُنْيَاهُ وآخرته .
فَمَا استجلبت مصَالح الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بِمثل الصدْق وَلَا مفاسدها
ومضارهما بِمثل الْكَذِب ]
نعوذ بالله من ذلك.

قَالَ-تعالى-:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين }،

وَقَالَ-تعالى-:

{ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقين صدقهم }
، وَقَالَ:

{ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُم }،
وقال:

{ وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ .

نسأل الله-جل وعلا-أن ينفع بمثل هذه المقالة المستمع لها والناقل
والجميع بإذن الله-تعالى-، على كل حال من كان حاله كذلك فحري به
أن يذكَّر ويخوَّف بالله-جلَّ وعلا-، فإن أصرَّ فماذا نفعل؟!
نسأل الله العافية.

السائل: جزاكم الله خيرًا شيخنا وبارك فيك،
وأسأل الله أن يجعل ما قلت في موازين حسناتك.