تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم


حور العين
06-13-2024, 12:54 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير
درس اليوم

فضلَ العمل الصالح في عشر ذي الحجة

حين وصف النبي صلى الله عليه وسلم فضلَ العمل الصالح في

عشر ذي الحجة، وصفه بصفة "أحب"؛

((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام - يعني أيام

العشر - قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في

سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء))

[رواه البخاري].



إذ إن الحب أصلٌ عظيم في هذا الدين، وهو الباعث والدافع الأقوى للعمل،

والمحفِّز الأسرع للقيام بالطاعة، فمن أحبَّ، بادر وأقْبَلَ؛

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165]، أشد حبًّا لله، حبًّا مطلقًا من كل

موازنة، ومن كل قيد، أشد حبًّا لله من كل حبٍّ يتجهون به إلى سواه.



وهو الودود يحبهم ويحبه

أحبابه والفضلُ للمنَّان



والتعبير هنا بالحب تعبير جميل، فوق أنه تعبير صادق، فالصلة بين المؤمن

الحق وبين الله هي صلة الحب، صلة الوشيجة القلبية، صلة الوجدان

المشدود بعاطفة الحب المشرق الودود، فالتعبير بأحب إلى الله يُحرِّك وجدان

المؤمن ومشاعره، ويحفِّزه ويدفعه إلى العمل والطاعة، فالمؤمن المحب لله

يحبه أشد من حبه حتى لنفسه؛ ولذلك يحب أن يرضى ولو تكدَّر خاطره،

وأتعب قلبه، وتألمت روحه.



قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "من أعجب الأشياء أن تعرف ربك ثم لا

تحبه، وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة، وأن تعرف قدر الربح في

معاملته ثم تعامل غيره، وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له، وأن تذوق ألم

الوحشة في معصيته، ثم لا تطلب الأنس بطاعته".



وكل حب بعد حب المؤمنين لربهم هو تَبَعٌ لتلك المحبة،

فهم يحبون لله وفي الله وبالله، وهم أشد حبًّا لله.



قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "من عرَف الله وقلبه سليم أحبَّه،

وكلما ازداد له معرفة، ازداد حبه له".



ومن حب المؤمنين لله أنهم يحبون كل ما يحبه الله، ويبحثون عن كل عمل

محبوب إلى الله، فيبادرون إليه، ويؤدونه، ويتشبَّثون به، ويزداد حبهم لله في

مثل هذه العشر المباركات؛ لأنها حبيبة إلى الله، ويزداد حبهم للصالحات في

هذه العشر، فيسارعون إليها؛ لأن فعلها أحب إلى الله.



وأول عمل يحرص عليه المؤمن في هذه العشر مما يحبه الله التوبة إلى الله؛

لأن التخلية قبل التحلية؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾

[البقرة: 222]، ولكي يحبك الله، جدِّد توبتك واستغفارك،

حين تصبح، وحين تمسي.



ومن أحب الأعمال إلى الله كما علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((أحب الأعمال إلى الله الصلاةُ لوقتها، ثم بر الوالدين،

ثم الجهاد في سبيل الله))؛ [رواه أحمد، والبخاري، ومسلم].



ومما يحبه الله بذلُ النفع للناس؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحب

الناس إلى الله أنفعُهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرورٌ تُدخِله على

مسلم، أو تكشف عنه كربةً، أو تقضي عنه دَينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن

أمشِيَ مع أخي المسلم في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في المسجد

شهرًا))؛ [مسلم].



ومن أجَلِّ الأعمال التي يحبها الله ذكرُ الله؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((أحب

الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله))؛ [حسن، رواه ابن

حبان، والطبراني في الكبير، والبيهقي].



وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الإكثار من ذكر الله في عشر

ذي الحجة: ((ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه

الأيام العشر؛ فأكْثِرُوا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد))؛ [أخرجه

الطبراني، وأحمد، وأبو عوانة، وهو حسن بمجموع شواهده].



وذِكْرُ الله علامة على حب العبد لله، ومَجْلَبة لحب الله للعبد؛ قال شيخ الإسلام

ابن تيمية رحمه الله: "كلما ازداد حبه له، ازداد ذكره له... فإن قوة الحب

تُوجِب كثرة ذكر المحبوب"، وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "من الأعمال

التي تُوصِّل إلى محبة الله تعالى وهي من أعظم علامات المحبين: كثرة

ذكر الله عز وجل بالقلب واللسان، قال بعض التابعين: علامة حب الله كثرةُ

ذِكْرِه، فإنك لن تحب شيئًا إلا أكثرت ذكره، فالمحبون إن نطقوا، نطقوا

بالذكر، وإن سكتوا، اشتغلوا بالفكر".



وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "كثرة الذكر تدل على كثرة المحبة".


وقال العلامة السعدي رحمه الله: "ومن لوازم محبة الله...

الإكثار من ذكره... فمن أحب الله، أكْثَرَ من ذكره".

وهكذا المؤمنون يبحثون عن كل عمل يحبه الله؛ ليبادروا إليه حبًّا لله، ولما

يحبه الله، فبالحب ساروا، فهانت عليهم التكاليف.

أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين