المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 6227


حور العين
08-31-2024, 01:59 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير
درس اليوم
مُحبِطاتُ الأعمالِ (01)



إن مصيبة المصائب، والطَّامَّة الكبرى التي تهون عندها كل مصيبة أن يتعب

المرء بأنواع من القربات والطاعات، وأصناف من الأعمال والعبادات، وهو

يظن أنه يحسن عملًا، ويحسب أنه سيجد ذلك في الحسنات؛ فإذا بهذه

الطاعات والحسنات التي أفنى فيها عمره قد ذهبت أدراج الرياح، وحبط ما صنع وما قدَّم من أعمال، وصارت كلها:

﴿ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا

وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [النور: 39].



إنها أعمال

﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾

[الكهف: 104].



‏إنه الهباء المنثور الذي ذكره الله تعالى بقوله:

﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23].



إن فعل الطاعات وأداء العبادات فيه كُلْفة؛ فقد يلاقي العبدُ بعضَ المشقة في

أدائها؛ لكن الأهم من ذلك كله هو المحافظة على هذه الطاعات، والحرص

على هذه العبادات؛ حتى لا تذهب هباء، ولا تضيع سُدًى؛ فقد ترى العبدَ

يحافظ على الصلوات الخمس مع المسلمين في جماعة، ويصوم ويحج

ويعتمر ويُزكِّي ويَصِل الرَّحِم، ويعمل أعمال الخير والبر، ثم يستحوذ عليه

الشيطان فيُوقِعُه في المحبِطات والمبطِلات، فيذهب تعبه،

ويخسر آخرته عياذًا بالله.



فما هي هذه المحبطات؟

1- أخطر ما يحبط العمل:

هو الشرك؛ قال الله تعالى:

﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ

بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾ [التوبة: 17].



‏وتأملوا هذا الخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم:

﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ

وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65]،

‏وقال الله تعالى:

﴿ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا

وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 217].



فالشرك والعياذ بالله يحبط جميع الأعمال مهما كانت كثيرة وكبيرة.



2- ومن المحبطات:

الشرك الخفي؛ الرياء، كما روى الإمام أحمد من حديث محمود بن لبيد

الأنصاري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

((إنَّ أخْوَفَ ما أخافُ عليكم الشِّركُ الأصْغَرُ))، قالوا: وما الشِّركُ الأصْغَرُ

يا رسولَ اللهِ؟ قال: ((الرِّياءُ، يقولُ اللهُ يومَ القيامةِ إذا جَزَى النَّاسَ بأعمالِهم:

اذهَبوا إلى الذينَ كنتم تُراؤونَ في الدُّنيا، فانظُروا هل تَجِدونَ عِندَهم جزاء)).



وفي المسند أيضًا عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه، مرفوعًا: خرج

علينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ ونحنُ نتذاكرُ المسيحَ الدجالَ، فقال:

((ألَا أُخبركم بما هو أخوفُ عليكم عندي من المسيحِ الدجالِ؟)) قالوا: بلى! قال:

((الشركُ الخفيُّ؛ أن يقومَ الرجلُ فيُصلي فيُزيِّنُ صلاتَه لما يرى من نظرِ رجلٍ)).



‏وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه،

قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ

عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَه)).



‏وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:

أرأيتَ رجلًا غَزَا يلتمس الأجرَ والذِّكْرَ، ما له؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((لا شيءَ له))، فأعادها ثلاثَ مراتٍ، ثم قال:

((إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا، وابتُغي به وجهه))؛

[رواه أبو داود، والترمذي].



‏ولنتأمل هذا الحديث في بيان أول من تُسعَّر بهم النار:

فهذا قارئ للقرآن يقول:

((كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ

الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ فُلَانًا قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ)).



‏وهذا مُتصدِّق يقول:

((كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ:

كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ)).



‏وهذا مجاهد يقول:

((أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: كَذَبْتَ،

وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ:

فُلَانٌ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ)).


‏قال الله جل في علاه:

﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا

لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا

فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 15، 16].

أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين