حور العين
11-06-2024, 02:10 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير
درس اليوم
قبل أن ينزل البلاء
كنت أحدِّث نفسي كثيرًا وأنا حبيس البلاء عن الصَّبر، وضرورتِه للعبد في كلِّ
الأحوال والمقامات، وعن الصبر وشدَّتِه على النفس، والحِكْمة من تقديره
شاقًّا على العباد.
ثم بعدَ حديثِ نفْسٍ طويل عن الصبر، ومع الصبر، وللصبر، أعود
فأستغفر اللهَ مِن ضَعْف نفسي عن الصبر، وتقصيرها عن مقامه،
وأسأله -تعالى- الصبر والسكينة.
وأَخْلُص مِن كلِّ هذا الحديث لحقيقة علمية واحدة، وهي ضرورة الاستعداد
بالصَّبْر ليوم البلاء، فنحن جميعًا ندري - عِلميًّا - ما الصبر، وما أنواعه أو
أقسامه، ومراتب الناس مع الصبر، و... لكننا نترك كلَّ هذا جانبًا في النهاية،
وننتظر "الصبر" في القلوب، وعند مواطن المِحَن ليقول هو عن نفسه وفي
نفوسنا ما شاء.
والإنسان في هذه الأرض عبْدٌ ولا بدَّ، عبدٌ لله - عزَّ وجلَّ - وحده، أو عبد
لغيره مِن العباد المسخَّرين مثله، أو عبدٌ لله -تعالى- ظالِمٌ لنفسه بإشراك
غير الله في قلبه، أو في مقاصده، هذه حقيقة شرعية دلَّ عليها كتابُ الله
-تعالى- وسُنة نبيِّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- كما هي حقيقة مُشاهَدة في واقع
الناس ودنيا صراعاتهم على مَرِّ الأزمان.
وكما أن كون "العبد لله وحده" يحتاج لصبر يقطع به الطريق إلى
الله -تعالى- وإلى الدار الآخرة، فكذلك كون "العبد لغير الله" يضطره للصبر
على مرارة شهوات نفسه، ويضطره للصبر على مرارة متابعة الشيطان،
وأوليائه من عُصَاة الإنس، وطواغيتهم المارقين عن الله -عزَّ وجلَّ-
وعن منهجه في الأرض.
نَعَم، يصبر المؤمن صبرَ الشاكر، أو الراضي، أو غير السَّاخط، فتملأ السكينةُ
قلْبَه، ثم هو يؤْجَر ويُثاب يوم اللقاء، ويصبر غيرُ المؤمن صبرَ مَن لا حيلة له
إلا الصبر، وإن سخط قلبه، وملَّت نفْسُه، فيكون صبرُه بلاءً على بلائه.
يصبر المؤمن على طاعة الله، وعلى أقدار الله، وبلائه المُتحتِّم عليه، ويصبر
غير المؤمن على هوان نفسه، وذلَّتها في طاعة أسياده، ومتابعة أهوائه.
فتحقَّقَ أن الصبر لازم على كلِّ أحد من الخلق في هذه الحياة، لكنه رِفْعة
وعُلوٌّ لأقوام من المؤمنين، وذلَّة ومهانة لأقوام آخرين.
وإذا كان الله -تعالى- ذَكَر الصبر في أكثرَ مِن ثمانين موضعًا من كتابه العزيز؛
فإنما هذا لحاجة العباد إليه في دينهم ودنياهم، ولضعف نفوسهم كذلك عنه.
وصبر المؤمن لا يتحقق للعبد إلا بعد الدُّربة عليه زمنًا طويلاً؛ لذا كان على
العقلاء أن يَنظروا أين الصبْرُ في قلوبهم، وكيف يكون الصبر كما أراده الله –
تعالى- وكلُّ هذا من الاستعداد قبل أن ينْزل يوم البلاء، فلا يجدون من العُدَّة
ما يَفِي اللقاء، ولا مِن الزَّاد ما يكفي للسفر والمَسِير.
إذًا نحن بحاجة لتعلُّم الصبر عَمَليًّا، وبحاجة للاستعداد للبلاء بالصبر، وهذا
كلُّه ليس بالأمر الهيِّن أو السهل، يقول ربُّنا - تبارك وتعالى -:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153]،
فأمَرَنا -تعالى- أن نستعين بالصبر؛ ليكون معنا -تعالى- بنُصْرتنا وتأييدنا،
وتثبيتنا وترضيتنا، وإنزال السكينة علينا.
والصبر يُتعلَّمُ ويُتدرَّب عليه، تمامًا كما يُتَعلَّم العِلم ويُتذاكَر، يقول
- صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من يتصَبَّر يصبِّرْه الله))؛ متفق عليه من حديث
أبي سعيد الخدري؛ أيْ: مَن يطلب ويستدعِ الصبرَ يجدْه، وهذا لا يكون
إلا بالأسباب الجالبة له في قلوبنا وعلى جوارحنا.
خشن العيش طريق للصبر:
ونحن في زمن العجلة هذا، يَشقُّ علينا الصبر أكثر من أي زمن غيره؛ فإننا
لم تُعوَّدْ نفوسُنا الصبرَ على أقلِّ شيء؛ إذْ طَغى التَّرَفُ والرَّغد على عيشنا
الدنيوي طغيانًا عظيمًا، وفقَدْنا كلَّ مقوِّمات الصبر من خشن العيش وشَظَفِه،
وكان لهذا أعظمُ الأثر في ضَعف تربيتنا على الصبر والعزيمة مِن صغرنا
حتى كبرنا.
لذا فمَن أراد أن يربِّي نفسه ومَن يعوله ويتولَّى تربيتَه على الصبر، فليستغْنِ
عن بعض هذا التَّرف وهو قادر عليه، وليأخُذْ بالعزائم، وهذا من التدرُّب على
الصبر؛ حتى إذا كان الإنسان منا في موطن الشدَّة ويوم البلاء، استقوى بما
اعتاده من بعض العيش الشديد.
إننا في النهاية عبيدٌ لله -تعالى- غايتُنا الآخرةُ، وكلَّما قوِيَ هذا المعنى في
قلوبنا هانت علينا الدنيا بكلِّ ما فيها، وكان همّنا غايتنا فحسْب.
أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين
درس اليوم
قبل أن ينزل البلاء
كنت أحدِّث نفسي كثيرًا وأنا حبيس البلاء عن الصَّبر، وضرورتِه للعبد في كلِّ
الأحوال والمقامات، وعن الصبر وشدَّتِه على النفس، والحِكْمة من تقديره
شاقًّا على العباد.
ثم بعدَ حديثِ نفْسٍ طويل عن الصبر، ومع الصبر، وللصبر، أعود
فأستغفر اللهَ مِن ضَعْف نفسي عن الصبر، وتقصيرها عن مقامه،
وأسأله -تعالى- الصبر والسكينة.
وأَخْلُص مِن كلِّ هذا الحديث لحقيقة علمية واحدة، وهي ضرورة الاستعداد
بالصَّبْر ليوم البلاء، فنحن جميعًا ندري - عِلميًّا - ما الصبر، وما أنواعه أو
أقسامه، ومراتب الناس مع الصبر، و... لكننا نترك كلَّ هذا جانبًا في النهاية،
وننتظر "الصبر" في القلوب، وعند مواطن المِحَن ليقول هو عن نفسه وفي
نفوسنا ما شاء.
والإنسان في هذه الأرض عبْدٌ ولا بدَّ، عبدٌ لله - عزَّ وجلَّ - وحده، أو عبد
لغيره مِن العباد المسخَّرين مثله، أو عبدٌ لله -تعالى- ظالِمٌ لنفسه بإشراك
غير الله في قلبه، أو في مقاصده، هذه حقيقة شرعية دلَّ عليها كتابُ الله
-تعالى- وسُنة نبيِّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- كما هي حقيقة مُشاهَدة في واقع
الناس ودنيا صراعاتهم على مَرِّ الأزمان.
وكما أن كون "العبد لله وحده" يحتاج لصبر يقطع به الطريق إلى
الله -تعالى- وإلى الدار الآخرة، فكذلك كون "العبد لغير الله" يضطره للصبر
على مرارة شهوات نفسه، ويضطره للصبر على مرارة متابعة الشيطان،
وأوليائه من عُصَاة الإنس، وطواغيتهم المارقين عن الله -عزَّ وجلَّ-
وعن منهجه في الأرض.
نَعَم، يصبر المؤمن صبرَ الشاكر، أو الراضي، أو غير السَّاخط، فتملأ السكينةُ
قلْبَه، ثم هو يؤْجَر ويُثاب يوم اللقاء، ويصبر غيرُ المؤمن صبرَ مَن لا حيلة له
إلا الصبر، وإن سخط قلبه، وملَّت نفْسُه، فيكون صبرُه بلاءً على بلائه.
يصبر المؤمن على طاعة الله، وعلى أقدار الله، وبلائه المُتحتِّم عليه، ويصبر
غير المؤمن على هوان نفسه، وذلَّتها في طاعة أسياده، ومتابعة أهوائه.
فتحقَّقَ أن الصبر لازم على كلِّ أحد من الخلق في هذه الحياة، لكنه رِفْعة
وعُلوٌّ لأقوام من المؤمنين، وذلَّة ومهانة لأقوام آخرين.
وإذا كان الله -تعالى- ذَكَر الصبر في أكثرَ مِن ثمانين موضعًا من كتابه العزيز؛
فإنما هذا لحاجة العباد إليه في دينهم ودنياهم، ولضعف نفوسهم كذلك عنه.
وصبر المؤمن لا يتحقق للعبد إلا بعد الدُّربة عليه زمنًا طويلاً؛ لذا كان على
العقلاء أن يَنظروا أين الصبْرُ في قلوبهم، وكيف يكون الصبر كما أراده الله –
تعالى- وكلُّ هذا من الاستعداد قبل أن ينْزل يوم البلاء، فلا يجدون من العُدَّة
ما يَفِي اللقاء، ولا مِن الزَّاد ما يكفي للسفر والمَسِير.
إذًا نحن بحاجة لتعلُّم الصبر عَمَليًّا، وبحاجة للاستعداد للبلاء بالصبر، وهذا
كلُّه ليس بالأمر الهيِّن أو السهل، يقول ربُّنا - تبارك وتعالى -:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153]،
فأمَرَنا -تعالى- أن نستعين بالصبر؛ ليكون معنا -تعالى- بنُصْرتنا وتأييدنا،
وتثبيتنا وترضيتنا، وإنزال السكينة علينا.
والصبر يُتعلَّمُ ويُتدرَّب عليه، تمامًا كما يُتَعلَّم العِلم ويُتذاكَر، يقول
- صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من يتصَبَّر يصبِّرْه الله))؛ متفق عليه من حديث
أبي سعيد الخدري؛ أيْ: مَن يطلب ويستدعِ الصبرَ يجدْه، وهذا لا يكون
إلا بالأسباب الجالبة له في قلوبنا وعلى جوارحنا.
خشن العيش طريق للصبر:
ونحن في زمن العجلة هذا، يَشقُّ علينا الصبر أكثر من أي زمن غيره؛ فإننا
لم تُعوَّدْ نفوسُنا الصبرَ على أقلِّ شيء؛ إذْ طَغى التَّرَفُ والرَّغد على عيشنا
الدنيوي طغيانًا عظيمًا، وفقَدْنا كلَّ مقوِّمات الصبر من خشن العيش وشَظَفِه،
وكان لهذا أعظمُ الأثر في ضَعف تربيتنا على الصبر والعزيمة مِن صغرنا
حتى كبرنا.
لذا فمَن أراد أن يربِّي نفسه ومَن يعوله ويتولَّى تربيتَه على الصبر، فليستغْنِ
عن بعض هذا التَّرف وهو قادر عليه، وليأخُذْ بالعزائم، وهذا من التدرُّب على
الصبر؛ حتى إذا كان الإنسان منا في موطن الشدَّة ويوم البلاء، استقوى بما
اعتاده من بعض العيش الشديد.
إننا في النهاية عبيدٌ لله -تعالى- غايتُنا الآخرةُ، وكلَّما قوِيَ هذا المعنى في
قلوبنا هانت علينا الدنيا بكلِّ ما فيها، وكان همّنا غايتنا فحسْب.
أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين