المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سن الحكمة-د.ميسرة طاهر


هيفولا
01-28-2013, 11:19 AM
http://nawasreh.com/islamic/up/0017.gif
سن الحكمة




http://www.okaz.com.sa/new/myfiles/authors/mysarah.jpg

ميسرة طاهر


يشيع في معظم دول العالم ومنها دول العالم العربي والإسلامي مصطلح «التقاعد»،
وهو مصطلح مفزع للكثير من الناس، لأن بعضا من الناس يحوره
ليصبح: «مت قاعدا»،
وهو تحوير يترك في نفس المتقاعد ومن حوله ظلالا سلبية كثيرة،

وصار التقاعد بالنسبة للبعض مفزعا، وبداية للكثير
من المشاكل سواء الصحية أو الأسرية أو الاجتماعية،

وكثيرة هي الأسر التي تستعيذ بالله من مجرد اقتراب الأب من سن التقاعد،
إلى الحد الذي شاعت نكتا تعبر عن ذلك،
فيرى البعض أن التقاعد يعني تركيز المتقاعد
على إطفاء مصابيح الكهرباء والمكيفات وفتح باب الصراع
مع أهل بيته لإهمالهم إطفائها،

والتركيز على أهمية التوفير في الكهرباء والماء، وتقليل النفقات والمصاريف،
في حين أن الله تبارك وتعالى يصف رحلة الإنسان بقوله:
«ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها
وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة
قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي
وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي
إني تبت إليك وإني من المسلمين»،

وفي هذه الآية تأكيد على أهمية سن الأربعين باعتباره
سنا يصل الإنسان فيه إلى أشده،
حيث يؤكد ربنا عند وصف حال يوسف عليه السلام
«ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين»،
وكأن بلوغ الإنسان أشده الذي حددته الآية
الأولى بسن الأربعين مرتبط بالحكمة،
فما بالنا بسن الستين حيث ينبغي أن تكون الخبرة والعلم والحكمة
قد زادت زيادة بالغة،

فما الذي يجعل بعض الناس ينظرون للمتقاعد نظرة الخشية
من تدخله فيما لا يعنيه ومن أنه سيصبح حملا ثقيلا على من يعيش معهم
من أبناء وبنات وزوجة؟
علما بأنه في هذه السن ينبغي أن تبدأ رحلة جديدة لهذا الحكيم،
رحلة داخل أسرته وداخل مجتمعه،
وأتمنى أن نبدأ بالتفكير جديا بتعديل مسمى
سن التقاعد ليصبح «سن الحكمة»،
والحكيم بدل المتقاعد،

فالأسماء والمسميات لها شأن كبير في توليد المعاني المرتبطة بها،

ويؤكد ذلك حرص النبي عليه السلام على تغيير بعض أسماء الصحابة
وهم كبار،

وقد ورد في صحيح مسلم عن ابن عمر أن ابنة لعمر
كان يقال لها عاصية سماها النبي عليه الصلاة والسلام جميلة،

إضافة إلى حرصه على اختيار الاسم الحسن للمولود
وقد أحضر أبو أسيد وليدا له فسأل النبي عليه الصلاة والسلام:
ما اسمه؟ قال: فلان، قال: لا؟ ولكن اسمه المنذر،

والحكيم حين يصل لسن الحكمة تكون الطيور قد غادرت أعشاشها
كما يقولون، فمعظم الأبناء والبنات يغلب أن يكونوا قد تزوجوا
وتركوا وراءهم بيت والديهم،
فإما أن يكون منزل الوالدين قد فرغ تماما من الأبناء والبنات،
أو لم يبق به إلا القليل، ويحتاج الحكيم كي يكون حكيما
في نظر أبنائه وبناته أن يلتزم بقاعدة: قل خيرا أو اصمت،

وليس من الحكمة أن يدس الحكيم أنفه في كل شؤون أبنائه وبناته،
وكم هو جميل حين يجعل الحكيم دخوله على أبنائه دخول نعمة
وليس دخول سوء،

وكم هو رائع حين يسمح الحكيم لأبنائه الكبار
وبخاصة المتزوجين منهم بمساحة أكبر من الحركة،
وأن يترك لهم حرية أكبر من الاختيار،

وسيكون الأب حكيما في نظر أبنائه إذا كان متأنيا في منحهم النصائح،
والاكتفاء بتقديمها لهم إذا طلبوها
وهو في هذا يلتزم بقول المصطفى عليه الصلاة والسلام:
«وإذا استنصحك فانصحه»،

وهي قاعدة يؤكد فيها المصطفى عليه الصلاة والسلام
على حق المسلم على المسلم،
وسيزداد الحكيم حكمة في نظر أبنائه ونظر غيرهم من الناس
إن هو أكثر من عبارة: «لو سمحت»
، وحاله سيكون أروع وأفضل إن هو أنهى كل وجهة نظر لأبنائه بالقول:
هذا ما أعتقد أنه صواب والأمر متروك لكم افعلوا ما ترونه مناسبا،

بهذه القواعد يستطيع أن يزداد حكمة في نظر من حوله،
ويزداد من حوله رغبة في التعامل معه،
ويبقى ظله خفيفا على نفوسهم،
ويشعر هو بأنه شخص محبوب ومرغوب بوجوده
في حياة الكثيرين ممن يحيطون به


هيفولا
:o