حور العين
04-28-2025, 05:31 PM
من : الأخت الزميلة / جِنان الورد
سيد الاستغفار
• سألتَ -عَلَّمَني الله وإياك- عن دعاء سيِّد الاستغفار، الذي رواه البخاري عن شداد بن أوس رضي الله عنه،
عن النبي ﷺ قال: «سَيِّد الاستغفار أنْ تقول: اللهمَّ أنتَ رَبِّي، لا إله إلَّا أنت، خلقتَني وأنا عبدك،
وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ، أعوذ بك مِن شَرِّ ما صنعتُ، أبوءُ لك بنعمتك عليَّ وأبوءُ بذنبي،
فاغفر لي؛ فإنَّه لا يَغفر الذنوبَ إلَّا أنت». قال: «ومَن قالها مِن النهار موقنًا بها، فمات مِن يومه قبل أنْ يُمسِي،
فهو من أهل الجنة، ومَن قالها مِن الليل وهو موقنٌ بها، فمات قبل أنْ يُصبِح، فهو من أهل الجنة»،
وسألتَ عن سِرِّ كون هذا الدعاء أفضل الاستغفار.
• فأقول -وما توفيقي إلَّا بالله عليه توكلت وإليه أنيب-: للعلماء في هذا الدعاء كلامٌ كثيرٌ،
بيَّنُوا فيه ما ظهر لهم مِن مناسبات ما سألتَ عنه، وحاصل كلامهم أنَّ هذا الذِّكْر قد جمع أصول معاني العبودية والتوبة والدعاء.
ففي قوله: (اللهمَّ أنتَ رَبِّي، لا إله إلَّا أنت) الإقرار لله تعالى وإفراده بالربوبيَّة والألوهيَّة؛
فقدَّمَ (أنتَ) على (ربِّي) للحصر، أي: أنتَ وحدك ربِّي، كما أفاد النفي والاستثناءُ في قوله: (لا إله إلَّا أنت)
حصرَ استحقاق الألوهيَّة لله تعالى، فلا معبود بحقٍّ إلا الله. ثم فَصَّل ذلك وأكَّدَه ببيانِ آثار الربوبية،
فقال: (خلقتَني)، والألوهية فقال: (وأنا عبدك).
وفي هذا كلِّه: الثناء على الله سبحانه وتعالى -الذي هو من سُنَن الدعاء- بأعظم ما يمكنُ العبادَ الثناءُ به عليه،
وهو حَقُّه تعالى عليهم، كما قال ﷺ في الحديث الصحيح: «فإنَّ حَقَّ الله على العباد أنْ يعبدوه ولا يُشرِكُوا به شيئًا».
وفيه أيضًا: التذلل والافتقار إلى الله تعالى المضمَّن في وصف العبودية؛ فهي غايةُ الحُبِّ وغايةُ الذُّلِّ.
ولمَّا كان العِباد على أحوال متفاوتةٍ من التسليم لله تعالى في أوامره ونواهيه، ومِن اليقين بما وعد به،
وكان العباد لا يقدرون أبدًا أن يوفوا الله تعالى حَقَّه؛ قال: (وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ)
. والمعنى: أنا مؤمنٌ بما عهدتَ إليَّ من الأمر والنهي، ملتزمٌ بحدودك، ومُقِرٌّ بما وعدتَ به مَن الحساب
والجزاء، موقِنٌ بذلك، ما استطعتُ ذلك كلَّه، فالإيمان في قلبي يزيد وينقص، والنقص والعجز والضعف أوصافٌ
لا تنفكُّ عَنِّي، فلم تكن ذنوبي إلَّا ضعفًا منِّي عن التمسُّك بعهدك، وذهولًا ونسيانًا لوعدك،
ولم تكن جحودًا ولا إنكارًا. وفي هذا: التوسُّل إلى الله عز وجل بالإيمان به،
كما في قوله تعالى: ﴿ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ إِنَّنَاۤ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾
ونظائرِه، وفيه: الافتقار إليه بالإقرار بالضعف والعجز.
وفي قوله: (ما استطعتُ) تمهيدٌ للاعتذار عن التقصير، ولهذا قال بعدها: (أعوذ بك مِن شَرِّ ما صنعتُ)،
فإنِّي خائفٌ وَجِلٌ من تبعات ذنوبي في الدنيا والآخرة، ولا يُخَلِّصني منها غيرك، فتقديمُ (بِكَ) على ما بعدها أفاد الحصر.
ثُمَّ قَدَّمَ -بين يدي سؤال الله تعالى مغفرة الذنوب- الإقرار بنِعَم الله تعالى عليه، والاعتراف بذنبه،
فقال: (أبوءُ لك بنعمتك عليَّ وأبوءُ بذنبي)، وإفراد النعمة مع إضافتها أفاد العموم، ومِثله يُقال في: (ذنبي)،
والمعنى: أعترف بجميع نِعَمِك الكثيرةِ فلا أجحد منها شيئًا، وأُقِرُّ بجميع ذنوبي الكثيرةِ فلا أنكر منها شيئًا،
فخيرك إليَّ نازل، وشَرِّي إليك صاعد، وأنتَ تنعم وتحلم، فكما لا يزال فضلك يغمرني،
ولا تزال بإنعامك تتغمَّدني: (فاغفر لي؛ فإنَّه لا يَغفر الذنوبَ إلَّا أنت)،
وفي هذا: ختمُ الدعاء بالثناء على الله تعالى والافتقار إليه بعد البدء بذلك، وهذا مِن سُنَن الدعاء وآدابه.
هذا ما يسَّر الله تبارك وتعالى الآن وهَدَى إليه، وفي جُمَل هذا الدعاء وتضاعيفه من المناسبات الظاهرة
والمعاني الباهرة ما تركتُه اختصارًا، والحال كما قيل: حَسبُك مِن القلادة ما أحاطَ بالعُنُق، والحمد لله، والله أعلم.
سيد الاستغفار
• سألتَ -عَلَّمَني الله وإياك- عن دعاء سيِّد الاستغفار، الذي رواه البخاري عن شداد بن أوس رضي الله عنه،
عن النبي ﷺ قال: «سَيِّد الاستغفار أنْ تقول: اللهمَّ أنتَ رَبِّي، لا إله إلَّا أنت، خلقتَني وأنا عبدك،
وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ، أعوذ بك مِن شَرِّ ما صنعتُ، أبوءُ لك بنعمتك عليَّ وأبوءُ بذنبي،
فاغفر لي؛ فإنَّه لا يَغفر الذنوبَ إلَّا أنت». قال: «ومَن قالها مِن النهار موقنًا بها، فمات مِن يومه قبل أنْ يُمسِي،
فهو من أهل الجنة، ومَن قالها مِن الليل وهو موقنٌ بها، فمات قبل أنْ يُصبِح، فهو من أهل الجنة»،
وسألتَ عن سِرِّ كون هذا الدعاء أفضل الاستغفار.
• فأقول -وما توفيقي إلَّا بالله عليه توكلت وإليه أنيب-: للعلماء في هذا الدعاء كلامٌ كثيرٌ،
بيَّنُوا فيه ما ظهر لهم مِن مناسبات ما سألتَ عنه، وحاصل كلامهم أنَّ هذا الذِّكْر قد جمع أصول معاني العبودية والتوبة والدعاء.
ففي قوله: (اللهمَّ أنتَ رَبِّي، لا إله إلَّا أنت) الإقرار لله تعالى وإفراده بالربوبيَّة والألوهيَّة؛
فقدَّمَ (أنتَ) على (ربِّي) للحصر، أي: أنتَ وحدك ربِّي، كما أفاد النفي والاستثناءُ في قوله: (لا إله إلَّا أنت)
حصرَ استحقاق الألوهيَّة لله تعالى، فلا معبود بحقٍّ إلا الله. ثم فَصَّل ذلك وأكَّدَه ببيانِ آثار الربوبية،
فقال: (خلقتَني)، والألوهية فقال: (وأنا عبدك).
وفي هذا كلِّه: الثناء على الله سبحانه وتعالى -الذي هو من سُنَن الدعاء- بأعظم ما يمكنُ العبادَ الثناءُ به عليه،
وهو حَقُّه تعالى عليهم، كما قال ﷺ في الحديث الصحيح: «فإنَّ حَقَّ الله على العباد أنْ يعبدوه ولا يُشرِكُوا به شيئًا».
وفيه أيضًا: التذلل والافتقار إلى الله تعالى المضمَّن في وصف العبودية؛ فهي غايةُ الحُبِّ وغايةُ الذُّلِّ.
ولمَّا كان العِباد على أحوال متفاوتةٍ من التسليم لله تعالى في أوامره ونواهيه، ومِن اليقين بما وعد به،
وكان العباد لا يقدرون أبدًا أن يوفوا الله تعالى حَقَّه؛ قال: (وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ)
. والمعنى: أنا مؤمنٌ بما عهدتَ إليَّ من الأمر والنهي، ملتزمٌ بحدودك، ومُقِرٌّ بما وعدتَ به مَن الحساب
والجزاء، موقِنٌ بذلك، ما استطعتُ ذلك كلَّه، فالإيمان في قلبي يزيد وينقص، والنقص والعجز والضعف أوصافٌ
لا تنفكُّ عَنِّي، فلم تكن ذنوبي إلَّا ضعفًا منِّي عن التمسُّك بعهدك، وذهولًا ونسيانًا لوعدك،
ولم تكن جحودًا ولا إنكارًا. وفي هذا: التوسُّل إلى الله عز وجل بالإيمان به،
كما في قوله تعالى: ﴿ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ إِنَّنَاۤ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ﴾
ونظائرِه، وفيه: الافتقار إليه بالإقرار بالضعف والعجز.
وفي قوله: (ما استطعتُ) تمهيدٌ للاعتذار عن التقصير، ولهذا قال بعدها: (أعوذ بك مِن شَرِّ ما صنعتُ)،
فإنِّي خائفٌ وَجِلٌ من تبعات ذنوبي في الدنيا والآخرة، ولا يُخَلِّصني منها غيرك، فتقديمُ (بِكَ) على ما بعدها أفاد الحصر.
ثُمَّ قَدَّمَ -بين يدي سؤال الله تعالى مغفرة الذنوب- الإقرار بنِعَم الله تعالى عليه، والاعتراف بذنبه،
فقال: (أبوءُ لك بنعمتك عليَّ وأبوءُ بذنبي)، وإفراد النعمة مع إضافتها أفاد العموم، ومِثله يُقال في: (ذنبي)،
والمعنى: أعترف بجميع نِعَمِك الكثيرةِ فلا أجحد منها شيئًا، وأُقِرُّ بجميع ذنوبي الكثيرةِ فلا أنكر منها شيئًا،
فخيرك إليَّ نازل، وشَرِّي إليك صاعد، وأنتَ تنعم وتحلم، فكما لا يزال فضلك يغمرني،
ولا تزال بإنعامك تتغمَّدني: (فاغفر لي؛ فإنَّه لا يَغفر الذنوبَ إلَّا أنت)،
وفي هذا: ختمُ الدعاء بالثناء على الله تعالى والافتقار إليه بعد البدء بذلك، وهذا مِن سُنَن الدعاء وآدابه.
هذا ما يسَّر الله تبارك وتعالى الآن وهَدَى إليه، وفي جُمَل هذا الدعاء وتضاعيفه من المناسبات الظاهرة
والمعاني الباهرة ما تركتُه اختصارًا، والحال كما قيل: حَسبُك مِن القلادة ما أحاطَ بالعُنُق، والحمد لله، والله أعلم.