المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 6356


حور العين
04-28-2025, 05:44 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير

درس اليوم

أهمية الاستشارة في حياتنا


لا شكَّ أن الإنسان تعترضه مواقف حياتية مفصلية، تتطلب منه اتخاذ قرارات

مصيرية؛ كالدراسة، والزواج، والعمل، وغيرها، ثم قد يحتار في اتخاذ القرار

الأصوب، فلا مناصَ حينها من أخذ رأي ذوي الخبرة والتجربة، يقلِّب بهم

وجوه الأمر؛ ليختار الأنسب والأصوب، ولعِظَمِ حاجة المجتمعات إلى

الاستشارة، جعلت الأمم المتقدمة لهذا الأمر قواعدَ واضحة، ومؤسساتٍ

متخصصة؛ من هيئات استشارية، ومجالس شورى، وغيرها، يُعرض عليها

الجَلَلُ من أمرها قبل اتخاذ القرارات بشأنها.



الاستشارة سُنَّة الأنبياء، ودَيْدَنُ الحكماء، وعادة العقلاء، وقد أمر الله تعالى

نبيه الكريم بالاستشارة قبل أن يعزِم على أمر يخص أمر المؤمنين:

﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾

[آل عمران: 159]، وأورد الطبري في تفسير الآية الكريمة: "ما أمر الله

عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالمشورة، إلا لما عُلِم فيها من الفضل...

وليتَّبعه المؤمنون من بعده فيما حَزَبَهم، ويستنُّوا بسُنَّته في ذلك، ويحتذوا

المثالَ الذي رأوه يفعله في حياته من مشاورتِهِ أصحابَهُ وتباعَهُ في الأمر

ينزل بهم، من أمر دينهم ودنياهم".



إن من يستشِرِ الآخرين يستفِدْ من تجارِبهم، ويتعلم من نجاحاتهم فيحتذيَها،

ويتعلم من خيباتهم فلا يقع فيها، فالعاقل من اتَّعظ بغيره، والاستشارة

استنارة، ولا يستنكف عنها إلا كل مستغنٍ برأيه، معجب بنفسه؛ لأن العاقل

يدرك النقص من جملة سمات البشر، ولا يجبر ذلك النقص إلا استشارة ذوي

النظر الثاقب، والرأي السديد:

شاوِرْ سواك إذا نابتك نائبة

يومًا وإن كنتَ من أهل المشوراتِ



وتقوِّي الاستشارةُ روابطَ التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع؛ فالتناصح في

الخير يُؤلف القلوب، فالمستعين برأي إخوانه يعلم أن لا نهضة له إلا

بمؤازرة إخوانه له، ومعاضدتهم إياه؛ وهل ينهض البازي بغير جناح؟ وقد

مدح الله تعالى في كتابه العزيز المجتمعَ الإيمانيَّ الذي يندبون إلى الاستشارة

إذا حَزَبَهم أمرٌ؛ بقوله: ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ [الشورى: 38].



وختامًا؛ لا يعني ما سبق أن يستشير الإنسان أيًّا كان، فلا يستشير حاقدًا أو

حاسدًا ممن قد يُزين له أمرًا يوافق هوى نفس المستشير، فيكون فيه هلاكه

ووَبالُ أمره، بل عليه أن يتخير في تدبير أموره ناصحًا أمينًا من أصحاب

العقل والفضل والصلاح، الذين عَرَكَتهم الأيام، وصَقَلتهم التجارب؛ كما يوصينا أبو الفتح البستي:

لا تستشرْ غيرَ نَدْبٍ حازمٍ يَقِظٍ

قد استوى فيه إسْرارٌ وإعلانُ

فللتدابيرِ فرسانٌ إذا ركضوا

فيها أبروا كما للحرب فرسانُ

ولا يخفى على ذوي الألباب أن قراءة سِيرِ ذوي الرأي الثاقب، والنظر النافذ،

له أعظم الأثر في إثراء عقل الإنسان، وزيادة خبراته؛ حيث يقول ابن

الأعرابي عن تلكم الكتب وأمثالها:

يُفيدوننا مِن عِلمهم علمَ ما مضى

وعقلًا وتأديبًا ورأيًا مُسدَدا



أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين