بيت عطاء الخير الاسلامي

بيت عطاء الخير الاسلامي (http://www.ataaalkhayer.com/index.php)
-   رسائل اليوم (http://www.ataaalkhayer.com/forumdisplay.php?f=27)
-   -   درس اليوم 4880 (http://www.ataaalkhayer.com/showthread.php?t=69941)

حور العين 07-09-2020 12:35 PM

درس اليوم 4880
 
من:إدارة بيت عطاء الخير

http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641

درس اليوم
اسم الله البصير (06)

في تَلْوِينِ أَقْسَامِهِ رِعَايَةُ البِرِّ:
يُرِيدُ بِتَلْوِينِ الأَقْسَامِ: اخْتِلَافَها في الجِنْسِ والقَدْرِ والصِّفَةِ، مِنْ أَقْسَامِ الأَمْوَالِ
والقُوَى، والعُلُومِ والأَعْمَالِ، والصَّنَائِعِ وغَيْرِها، قَسَّمَها عَلَى وَجْهِ البِرِّ
وَالمَصْلَحَةِ، فَأَعْطَى كُلًّا مِنْهم مَا يُصْلِحُهُ، ومَا هو الأَنْفَعُ له، بِرًّا وإحْسَانًا.
وقَوْلُهُ: وتُعَايِنُ في جَذْبِهِ حَبْلَ الوِصَالِ.

يُرِيدُ تُعَايِنُ في تَوْفِيقِهِ لَكَ للطَّاعَةِ، وجَذْبِهِ إيَاكَ مِنْ نَفْسِكَ: أَنَّهُ يُرِيدُ تَقْرِيبَكَ
مِنْهُ، فاسْتَعَارَ للتَّوْفِيقِ الخَاصِّ الجَذْبَ، وللتَّقْرِيبِ الوِصَالَ،
وأَرَادَ بالحَبْلِ السَبَبَ المُوَصِّلَ لَكَ إلَيهِ.

فَأَشَارَ بِهَذَا إلى أَنَّكَ تَسْتَدِلُّ بِتَوْفِيقِهِ لَكَ، وجَذْبِكَ نَفْسَكَ، وجَعْلَكَ مُتَمَسِّكًا بِحَبْلِهِ
- الذي هو عَهدُهُ وَوَصِيَّتُهُ إلى عِبَادِهِ - عَلَى تَقْرِيبِهِ لَكَ، تُشَاهِدُ ذَلِكَ لِيَكُونَ
أَقْوَى في المَحَبَّةِ والشُّكْرِ، وبَذْلِ النَّصِيحَةِ في العُبُودِيَّةِ، وهَذَا كُلُّهُ مِنْ تَمَامِ
البَصِيرَةِ، فَمَنْ لا بَصِيرَةَ لَهُ فهو بِمَعْزَلٍ عَنْ هَذَا.

قَالَ الدَّرَجَةُ الثَّالِثةُ: بَصِيرَةٌ تُفَجِّرُ المَعْرِفَةَ، وتُثَبِّتُ الإشَارَةَ، وتُنْبِتُ الفِرَاسَةَ.
يُرِيدُ بالبَصِيرَةِ في الكَشْفِ والعَيَانِ: أَنْ تَتَفَجَّرَ بِها يَنَابِيعُ المَعَارِفِ مِنَ القَلْبِ،
ولَمْ يَقُلْ تَفَجُّرَ العِلْمِ؛ لأَنَّ المَعْرِفَةَ أَخَصُّ مِنَ العِلْمِ عِنْدَ القَومِ، ونِسْبَتُها
إلى العِلْمِ نِسْبَةُ الرُّوحِ إلى الجَسَدِ، فهي رُوحُ العِلْمِ ولُبُّهُ.

وصَدَقَ رحمه الله فإنَّهُ بِهَذِهِ البَصِيرَةِ تَتَفَجَّرُ مِنْ قَلْبِ صَاحِبِها يَنَابِيعُ مِنَ
المَعَارِفِ، التي لا تُنَالُ بِكَسْبٍ ولا دِرَاسَةٍ، إنْ هو إلا فَهْمٌ يُؤْتِيهِ اللهُ عَبْدًا
في كِتَابِهِ ودِينِهِ، عَلَى قَدْرِ بَصِيرَةِ قَلْبِهِ.

2- الطَّرِيقُ إلى الفِرَاسَةِ:
وقَوْلُهُ: وتُثبِتُ الإشَارَةَ:
يُرِيدُ بالإشَارَةِ: مَا يُشِيرُ إلِيهِ القَوْمُ مِنَ الأَحْوَالِ والمُنَازَلَاتِ، والأَذْوَاقِ التي
يُنْكِرُها الأَجْنَبِيُّ مِنَ السُّلُوكِ، ويُثْبِتُها أَهْلُ البَصَائِرِ، وكَثِيرٌ مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ تَرِدُ
عَلَى السَّالِكِ، فَإنْ كَانَ لَهُ بَصِيرَةٌ ثَبَّتَت بَصِيرَتُهُ ذَلِكَ لَهُ وحَقَّقَتْهُ عِنْدَهُ، وعَرَّفَتْهُ
تَفَاصِيلَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَصِيرَةٌ، بَلْ كَانَ جَاهِلًا، لَمْ يَعْرِفْ تَفْصِيلَ
مَا يَرِدُ عَلَيهِ، ولَمْ يَهْتَدِ لِتَثْبِيتِهِ.

قَوْلُهُ: وتُنْبِتُ الفِرَاسَةُ:
يَعْنِي أَنَّ البَصِيرَةَ تُنْبِتُ في أَرْضِ القَلْبِ الفِرَاسَةَ الصَّادِقَةَ، وهي نُورٌ يَقْذِفُهُ
اللهُ في القَلْبِ، يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الحَقِّ والبَاطِلِ، والصَّادِقِ والكَاذِبِ،
قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى:

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } [الحجر: 75]،
قَالَ مُجَاهِدٌ: للمُتَفَرِّسِينَ.

والتَّوَسُّمُ تَفَعُّلٌ مِنَ السِّيمَا، وهي العَلَامَةُ، فَسُمِّيَ المُتَفَرِّسُ مُتَوسِّمًا؛ لِأَنَّهُ
يَسْتَدِلُّ بِمَا يَشْهَدُ عَلَى مَا غَابَ، فَيَسْتَدِلُّ بالعَيَانِ عَلَى الإِيمَانِ، ولِهَذَا خَصَّ
اللهُ تَعَالَى بالآيَاتِ والانْتِفَاعِ بِها هَؤُلَاءِ؛ لأَنَّهم يَسْتَدِلُّونَ بمَا يُشَاهِدُونَ مِنْها
عَلَى حَقِيقَةِ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنَ الأَمْرِ والنَّهْي، والثَّوَابِ والعِقَابِ، وَقَدْ
أَلْهَمَ اللهُ ذَلِكَ آدَمَ، وعَلَّمَه إيَّاهُ حِيْنَ عَلَّمَهُ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، وبَنُوهُ هُم نُسْخَتُهُ
وخُلَفَاؤُهُ، فَكُلُّ قَلْبٍ قَابِلٌ لِذَلِكَ، وهو فِيهِ بالقُوَّةِ، وبِهِ تَقُومَ الحُجَّةُ، وتَحْصُلُ
العِبْرَةُ، وتَصِحُّ الدِّلَالَةُ، وبَعَثَ اللهُ رُسُلَهُ مُذَكِّرِينَ ومُنَبِّهِينَ، ومُكَمِّلِينَ لِهَذَا
الاسْتِعْدَادِ، بِنُورِ الوَحْي والإِيمَانِ، فَيَنْضَافُ ذَلِكَ إلى نُورِ الفِرَاسَةِ والاسْتِعْدَادِ،
فَيَصِيرُ نُورًا عَلَى نُورٍ، فَتَقْوَى البَصِيرَةُ، ويَعْظُمُ النُّورُ، ويَدُومُ بِزِيَادَةِ مَادَّتِهِ
ودَوَامِها، ولا يَزَالُ في تَزَايُدٍ حَتَّى يُرَى عَلَى الوَجْهِ والجَوَارِحِ، والكَلَامِ
والأَعْمَالِ، ومَنْ لَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ ولَمْ يَرْفَعْ بِهِ رَأسًا دَخَلَ قَلْبُهُ في الغُلَافِ
والأَكِنَّةِ، فَأَظْلَمَ، وعَمِيَ عَنِ البَصِيرَةِ، فَحُجِبَتْ عَنْهُ حَقَائِقُ الإِيمَانِ، فَيَرَى
الحَقَّ بَاطِلًا، والبَاطِلَ حَقًّا، والرُّشْدَ غَيًّا، والغَيَّ رُشْدًا، قَالَ تَعَالَى:

{ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [المطففين: 14]،

والرَّيْنُ والرَانُ هو الحِجَابُ الكَثِيفُ المَانِعُ للقَلْبِ مِنْ رُؤْيَةِ الحَقِّ،
والانْقِيَادِ لَهُ.

3- أَنْوَاعُ الفِرَاسَةِ:
وعَلَى حَسَبِ قُوَّةِ البَصِيرَةِ وضَعْفِها تَكُونُ الفِرَاسَةُ، وهي نَوْعَانِ:
فِرَاسَةٌ عُلْوِيَّةٌ شَرِيفَةٌ: مُخْتَصَّةٌ بِأَهْلِ الإِيمَانِ، وفِرَاسَةٌ سُفْلِيَّةٌ دَنِيئَةٌ مُشْتَرِكَةٌ
بَيْنَ المُؤْمِنِ والكَافِرِ، فَالأُولَى فِرَاسَةُ أَهْلِ الرِّيَاضَةِ والجُوعِ والسَّهَرِ والخَلْوَةِ،
وتَجْرِيدِ البَواطِنِ مِنْ أَنْوَاعِ الشَّوَاغِلِ، أَمَّا الثَّانِيَةُ فَهِيَ فِرَاسَةُ كَشْفِ الصُّوَرِ،
والإخْبَارِ بِبَعْضِ المُغَيَّبَاتِ السُّفْلِيَّةِ التي لَا يَتَضَمَّنُ كَشْفُها والإخْبَارُ بِها كَمَالًا
للنَّفْسِ، ولا زَكَاةً ولا إِيمَانًا ولا مَعْرِفَةً، وهَؤُلَاءِ لا تَتَعَدَّى فِرَاسَتُهم هَذِهِ
السُّفْلِيَّاتِ؛ لأَنَّهم مَحْجُوبُونَ عَنِ الحَقِّ تَعَالَى، فَلَا تَصْعَدُ فِرَاسَتُهم إلى التَمْيِيزِ
بَيْنَ أَوْلِيَائِهِ وأَعْدَائِهِ، وطَرِيقِ هَؤُلَاءِ وهَؤُلَاءِ.

وأَمَّا فِرَاسَةُ الصَّادِقِينَ، العَارِفِينَ باللهِ وأَمْرِهِ: فَإنَّ هِمَّتَهم لَمَّا تَعَلَّقَتْ بِمَحَبَّةِ اللهِ
ومَعْرِفَتِهِ وعُبُودِيَّتِهِ، ودَعْوَةِ الخَلْقِ إليهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، كَانَتْ فِرَاسَتُهم مُتَّصِلَةً
باللهِ، مُتَعَلِّقَةً بِنُورِ الوَحْي مَعَ نُورِ الإِيمَانِ، فَمَيَّزَتْ بَيْنَ مَا يُحِبُّهُ الله
ُ ومَا يُبْغِضُهُ، مِنَ الأَعْيَانِ والأَقْوَالِ والأَعْمَالِ.

وَمَيَّزَتْ بَيْنَ الخَبِيثِ والطَّيِّبِ، والمُحِقِّ والمُبْطِلِ، والصَّادِقِ والكَاذِبِ، وعَرَفَتْ
مَقَادِيرَ اسْتِعْدَادِ السَّالِكِينَ إلى اللهِ، فَحَمَلَتْ كُلَّ إنْسَانٍ عَلَى قَدْرِ اسْتِعْدَادِهِ،
عِلْمًا وإرَادَةً وعَمَلًا.

فَفِرَاسَةُ هَؤُلَاء دَائِمًا حَائِمَةٌ حَوْلَ كَشْفِ طَرِيقِ الرَّسُولِ وتَعَرُّفِها، وتَخْلِيصِها
مِنْ بَيْنَ سَائِرِ الطُّرُقِ، وبَيْنَ كَشْفِ عُيُوبِ النَّفْسِ، وآفَاتِ الأَعْمَالِ العَائِقَةِ عَنْ
سُلُوكِ طَرِيقِ المُرْسَلِينَ، فَهَذَا أَشْرَفُ أَنْوَاعِ البَصِيرَةِ والفِرَاسَةِ،
وأَنْفَعُها للعَبْدِ في مَعَاشِهِ ومَعَادِهِ.


أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين




All times are GMT +3. The time now is 12:52 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.