بيت عطاء الخير الاسلامي

بيت عطاء الخير الاسلامي (http://www.ataaalkhayer.com/index.php)
-   رسائل اليوم (http://www.ataaalkhayer.com/forumdisplay.php?f=27)
-   -   درس اليوم 4874 (http://www.ataaalkhayer.com/showthread.php?t=69827)

حور العين 07-03-2020 02:45 PM

درس اليوم 4874
 
من:إدارة بيت عطاء الخير

http://www.ataaalkhayer.com/up/download.php?img=9641

درس اليوم
درس اليوم

معنى اسم الله التواب (12)

معاني إيمانية لاسم الله التواب:
يقولُ ابنُ القيِّمِ رحمهُ اللهُ تَعَالَى:
"يَا ويلَهُ ظَهِيرًا للشيطانِ عَلَى ربهِ، خصمًا للهِ معَ نفسِهِ، جَبْرِيَّ المعاصِي،
قدَرِيَّ الطاعاتِ، عَاجِزُ الرأيِّ، مِضْياعٌ لفرصَتِهِ، قاعدٌ عِنْ مصالِحِهِ، معاتِبٌ
لأَقْدَارِ ربهِ، يحتجُّ عَلَى ربِّهِ بِمَا لَا يقبَلُهُ مِنْ عبدِهِ وامرأتِهِ وأمَتِهِ، إذَا احتجُّوا
بِهِ عليهِ فِي التهاونِ فِي بعضِ أمرِهِ، فَلَوْ أمرَ أحدَهُم بأمرٍ ففرَّطَ فِيهِ، أَوْ نَهَاهُ
عِنْ شيءٍ فارتكَبهُ، وقَالَ: القَدَرُ ساقَنِي إِلَى ذَلِكَ لَمَا قَبِلَ منهُ هَذِهِ الحُجَّةَ،
ولبادَرَ إِلَى عقوبَتِهِ.

فَإِنْ كَانَ القدرُ حجةً لكَ أيُّهَا الظالِمُ الجَاهِلُ فِي تَرْكِ حقِّ رَبِكَ، فَهَلاَّ كَانَ حجةً
لعبدِكَ وأمَتِكَ فِي تَرْكِ بعضِ حَقِّكَ؟ بَلْ إِذَا أَسَاءَ إِليكَ مسيءٌ، وَجَنَى عليكَ
جَانٍ، واحتجَّ بالقَدَرِ لاشتدَّ غضبُكَ عَلَيْهِ، وتضاعَفَ جُرمُهُ عندَكَ، ورأيتَ
حجتَهُ داحضةً، ثُمَّ تَحْتَجُّ عَلَى ربِّكَ بِهِ، وتراهُ عُذْرًا لِنَفْسِكَ؟! فَمَنْ
أَوْلَى بالظُّلْمِ والجَهْلِ ممنْ هَذِهِ حالُهُ؟

هَذَا مَعَ تَواتُرِ إِحسانِ اللهِ إِليكَ عَلَى مَدَى الأنفاسِ، أزاحَ عِللكَ، ومَكَّنكَ مِنَ
التزودِ إلَى جَنَّتِهِ، وبعثَ إليكَ الدليلَ، وأعطاكَ مؤنةَ السفرِ، ومَا تتزودُ بِهِ، ومَا
تحاربُ بِهِ قُطَّاعَ الطريقِ عليكَ فأعطاكَ السمعَ والبصرَ والفؤادَ، وعَرَّفكَ الخيرَ
والشرَّ، والنافِعَ والضَّارَّ، وأرسَلَ إليكَ رسولَهُ، وأنزلَ إليكَ كتابَهُ، ويسَّرَهُ
للذِّكْرِ والفَهْمِ والعَمَلِ، وأعانَكَ بمَدَدٍ مِنْ جُنْدِهِ الكِرَامِ، يُثَبِّتُونَكَ ويَحْرُسُونَكَ،
ويحارِبُونَ عَدُوَّكَ ويطردُونَهُ عَنْكَ، ويُريدُونَ مِنْكَ أَنْ لَا تَمِيلَ إليهِ
وَلَا تصالِحَهُ، وهُم يكْفُونَكَ مؤْنَتَهُ وأَنْتَ تَأبي إلَّا مظاهَرَتَهُ عَلَيْهِم، وموالاتِهِ
دونَهُم، بَلْ تُظاهِرُهُ وتوالِيهِ دونَ وَليِّكَ الحَقَّ الذِي هُوَ أولَى بِكَ!
قَالَ الله تعالى:

{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ
فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ
بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا } [الكهف: 50]

طردَ إبليسَ عِنْ سمائِهِ، وأخرجَهُ مِنْ جَنَّتِهِ، وأبعَدَهُ مِنْ قُرْبِهِ، إِذْ لَمْ يَسْجُدْ
لَكَ، وأَنتَ فِي صُلبِ أبيكَ آدمَ، لِكَرَامَتِكَ عَلَيهِ، فَعَادَاهُ وأبعدَهُ، ثُمَّ وَالَيْتَ عَدُوَّهُ،
ومِلْتَ إليهِ وصَالَحْتَهُ، وتتظلَّمُ مَعَ ذَلِكَ وَتَشْتَكِي الطَّرْدَ والإبعَادَ، وتقولُ:

عَوَّدُوني الوصالَ والوَصْلُ عَذْبٌ ♦♦♦ وَرَمَوْنِي بالصَّدِّ والصَّدُّ صَعْبٌ

نَعَمْ، وكَيْفَ لاَ يَطْردُ مَنْ هَذِهِ مُعَامَلتُهُ؟ وكيفَ لا يُبْعِدُ عِنْهُ مِنْ كَانَ هَذَا وَصْفُهُ؟
وكيفَ يجعَلُ مِنْ خَاصَّتِهِ وأهلِ قُربِهِ مَنْ حَالُهُ مَعَهُ هَكَذَا؟ قَدْ أفسَدَ مَا بينَهُ
وبينَ اللهِ وَكَدَّرَهُ!!

أمرَهُ اللهُ بشُكْرِهِ، لاَ لِحَاجَتِهِ إِليهِ، ولكِنْ لينَالَ بِهِ المَزِيدَ مِنْ فضلِهِ، فَجَعَلَ كُفْرَ
نِعَمِهِ، والاستعانَةَ بِهَا عَلَى مَسَاخِطِهِ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ صَرْفِهَا عَنْهُ.

وأَمَرَهُ بِذِكْرِهِ ليذْكُرَهُ بإحسَانِهِ، فَجَعَلَ نِسْيَانَهُ سَبَبًا لنِسْيَانِ اللهِ لَهُ

{ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ } [الحشر: 19]، { نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ }
[التوبة: 67]، أمَرَهُ بِسُؤالِهِ ليُعْطِيَهُ، فَلَمْ يَسْأَلْهُ، بَلْ أَعَطَاهُ أجَلَّ العَطَايَا
بِلاَ سُؤَالٍ، فَلَمْ يَقْبَلْ، يَشْكُو مَنْ يرحمُهُ إِلى مَنْ لا يرحمُهُ! وَيَتَظَّلمُ ممّن
لا يَظْلمُهُ ويَدَعُ مَنْ يُعَادِيهِ وَيَظْلِمُهُ! إِنْ أَنْعَمَ عَلَيهِ بِالصِّحَّةِ والعَافِيَةِ والمَالِ
والجَاهِ استعَانَ بِنِعَمِهِ عَلَى مَعَاصِيهِ! وإِنْ سَلَبَ ذَلِكَ ظَلَّ متسخطاً عَلَى ربِّهِ
وهُوَ شَاكِيهِ! لَا يَصْلُحُ لَهُ عَلَى عَافِيَةٍ، ولا عَلَى ابتلاءٍ! العافيةُ تُلقِيهِ إِلَى
مَسَاخِطِهِ، والبَلاءُ يدفَعُهُ إلَى كُفْرانِهِ وجُحُودِ نِعْمَتِهِ، وشَكَايَتِهِ إِلَى خَلْقِهِ!

دَعَاهُ إلَى بَابِهِ فَمَا وَقَفَ عَلَيْهِ ولَا طَرَقَهُ، ثُمَّ فَتَحَهُ لَهُ فَمَا عَرَّجَ عَلَيْهِ وَلَا ولَجَهُ!
أَرَسَلَ إِلَيْهِ رَسُولَهُ يَدْعُوهُ إِلَى دَارِ كَرَامَتِهِ، فَعَصَى الرَّسُولَ، وَقَالَ: لَا أبيعُ
نَاجِزًا بغَائِبٍ، ونَقْدًا بنَسيئَةٍ، وَلَا أَتْرُكُ مَا أَرَاهُ لشَيءٍ سَمِعْتُ بِهِ! ويقُولُ:

خُذْ مَا رَأَيْتَ ودَعْ شيئًا سمعتَ بِهِ ♦♦♦ فِي طَلْعَةِ الشَّمْسِ مَا يُغْنيكَ عَنْ زُحَلِ

فَإنْ وافَقَ حَظُّهُ طَاعَةَ الرسولِ أطاعَهُ لنَيْلِ حَظِّهِ، لَا لِرِضَا مُرسِلِهِ، لَمْ يَزَلْ
يَتَمَقَّتُ إِلَيْهِ بمعَاصِيهِ، حَتَّى أَعرضَ عَنْهُ، وأَغْلَقَ البَابَ فِي وَجْهِهِ.

وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يُؤيسُهُ مِنْ رَحْمَتِهِ، بَلْ قَالَ: مَتَي جِئْتَنِي قَبِلْتُكَ، أَتيْتَنِي ليلًا قبلتُك،
وإِنْ أَتَيْتَنِي نَهَارًا قبلتُكَ، وإِنْ تَقربْتَ مِنِّي شِبْرًا تَقَربْتُ منكَ ذِرَاعًا، وإِنْ
تقربتَ منِّي ذِرَاعًا تقربتُ مِنْكَ بَاعًا، وإِنْ مشيتَ إِليَّ هرولْتُ إليكَ، ولو لقِيتَني
بِقُرابِ الأرضِ خَطَايا ثم لقيتني لا تشركَ بي شيئًا أتيتك بقُرابها مغفرةً،
وَلو بَلَغَتْ ذنوبُكَ عنانَ السَّمَاءِ، ثُمَّ استغفرتَنِي غفرتُ لكَ، وَمَنْ أَعظَمُ
مِنِّي جُودًا وكَرَمًا؟

عبادِي يُبارزُونَنِي بالعَظَائِمِ، وأَنَا أكلَؤهُم عَلَى فُرُشِهم، إِنِّي والجنُّ والإنسُ
فِي نبأٍ عَظِيمٍ: أَخْلُقُ ويُعْبَدُ غَيْرِي، وأَرْزُقُ ويُشْكُرُ سِوَايَ، خَيْرِي إِلَى العِبَادِ
نَازِلٌ، وَشَرُّهُم إِلَيَّ صَاعِدٌ، أَتحبَّبُ إِلَيْهِمْ بِنعَمِي، وأَنَا الغنيُّ عَنْهُم، وَيَتَبَغَّضُونَ
إِلَيَّ بالمَعَاصِي، وهُم أَفقرُ شيءٍ إِلَيَّ!!

مَنْ أقْبَلَ إِلَيَّ تلقَّيتُهُ مِنْ بَعِيدٍ، ومَنْ أَعْرَضَ عَنِّي نادَيتُهُ مِنْ قَرِيبٍ، ومَنْ تَرَكَ
لأَِجْلِي أَعطيتُهُ فَوْقَ المَزِيدِ، ومَنْ أَرَادَ رِضَايَ أَردتُ مَا يُرِيدُ، ومَنْ تَصَرَّفَ
بِحَوْلِي وقُوَّتِي ألنتُ لهُ الحَدِيدَ.

أَهْلُ ذِكْرِي أَهْلُ مُجَالَستِي، وأَهْلُ شُكْرِي أَهْلُ زِيَادَتِي، وأَهْلُ طَاعَتِي أَهْلُ
كَرَامَتِي، وأَهْلُ مَعْصِيَتِي لاَ أُقَنِّطُهُم مِنْ رَحْمَتِي، إنْ تَابُوا إِلَيَّ فَأَنَا حَبِيبُهُم،
فَإِنِّي أُحِبُّ التَّوَّابِينَ وأُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ، وإِنْ لَمْ يَتُوبُوا إِلَيَّ فَأَنَا طَبِيبُهُم،
أبتليهِم بالمصائِبِ؛ لأُطَهَرهُم مِنَ المعايِبِ.

مَنْ آثَرنِي عَلَى سِوَايَ آثرتُهُ عَلَى سِوَاهُ، الحسنةُ عِندِي بعَشْرِ أمثالِهَا إِلَى
سبعِمائةِ ضعفٍ، إِلَى أَضعافٍ كثيرةٍ، والسَّيِّئَةُ عِندِي بواحِدَةٍ، فَإِنْ نَدِمَ عَلَيْهَا
واستغفَرَنِي غَفَرْتُهَا لَهُ.

أشكُرُ اليسيرَ مِنَ العَمَل، وأغفرُ الكَثِيرَ مِنَ الزَّلَلِ، رحمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي،
وحِلْمِي سَبَقَ مُؤاخَذَتِي، وعَفْوِي سَبَقَ عُقُوبَتِي، أَنَا أَرْحَمُ بعَبْدِي مِنَ الوَالِدَةِ
بِوَلَدِهَا، "للهُ أشدُّ فَرحًا بتوبَةِ عبدِهِ مِنْ رَجُلٍ أَضلَّ راحِلَتَهُ بأرضِ مَهْلَكةٍ دَوِّيةٍ
عَلَيْهَا طعامُهُ وشَرَابُهُ، طَلَبَهَا حَتَّى إِذَا أَيِسَ مِنْ حُصُولِهَا، نامَ فِي أَصلِ شجرةٍ
ينتَظرُ الموتَ، فاستيقظَ فإِذَا هِي عَلَى رأسِهِ، قَدْ تَعَلَّقَ خِطامُهَا بالشجرَةِ، فَاللهُ
أَفرحُ بتوبةِ عبدِهِ مِنْ هَذَا براحِلَتِهِ".

وَهَذِهِ فرحةُ إِحْسَانٍ وبرٍّ ولُطْفٍ، لَا فَرْحَةَ محتاجٍ إِلَى توبَةِ عبدِهِ، منتفعٍ بِهَا،
وكذلكَ موالاتُهُ لعبدِهِ إِحسَانًا إِليهِ، ومحبةً لهُ وبِرًّا بهِ، لَا يتكثَّرُ بِهِ مِنْ قِلَّةٍ، ولَا
يتعزَّزُ بهِ مِنْ ذلَّةٍ، ولَا ينتَصِرُ بهِ مِنْ غَلَبةٍ، ولَا يعدُّهُ لنائِبَةٍ، ولَا يستعينُ بهِ فِي أَمرٍ

{ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ
وَلَمْ يَكُنْ
لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } [الإسراء: 111]،

فَنَفى أَنْ يكونَ لَهُ وليٌّ مِنَ الذُّلِّ، واللهُ وليُّ الذينَ آمنوا، وهُم أولياؤُهُ.

فَهَذَا شأنُ الرَّبِّ وشأنُ العبدِ، وَهُم يقيمونَ أعذارَ أنفسِهِم،
ويحملُونَ ذنوبَهم عَلَى أقدارِهِ.

أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين




All times are GMT +3. The time now is 08:37 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.