![]() |
صيد الخاطر لابن الجوزي - غوامض تحير الضال
صيد الخاطر لابن الجوزي - غوامض تحير الضال تفكرت يوماً في التكليف ، فرأيته ينقسم إلى سهل، و صعب . فأما السهل فهو أعمال الجوارح ، إلا أن منه ما هو أصعب من بعض ، فالوضوء و الصلاة أسهل من الصوم ، و الصوم ربما كان عند قوم أسهل من الزكاة . و أما الصعب في تفاوت ، فبعضها أصعب من بعض . فمن المستصعب ، النظر ، و الاستدلال ، الموصلان إلى معرفة الخالق . فهذا صعب عند من غلبت عليه أمور الحس ، سهل عند أهل العقل . و من المستصعب غلبة الهوى ، و قهر النفوس ، و كف أكف الطباع عن التصرف فيما يؤثره . و كل هذا يسهل على العاقل النظر في ثوابه ، و رجاء عاقبته ، و إن شق عاجلاً . و إنما أصعب التكاليف و أعجبها : أنه قد ثبتت حكمة الخالق عند العقل ، ثم نراه يفقر المتشاغل بالعلم ، المقبل على العبادة ، حتى يعضه الفقر بناجذيه ، في ذل للجاهل في طلب القوت . و يغنى الفاسق مع الجهل ، حتى تفيض الدنيا عليه . ثم نراه ينشىء الأجسام ثم ينقض بناء الشباب في مبدأ أمره ، و عند استكمال بنائه ، فإذابه قد عاد هشيماً . ثم نراه يؤلم الأطفال ، حتى يرحمهم كل طبع . ثم يقال له : إياكأن تشك في أنه أرحم الراحمين . ثم يسمع بإرسال موسى إلى فرعون ، و يقال له : اعتقد أن الله تعالى أضل فرعون ، و اعلم أنه ما كان لآدم بد من أكل الشجرة و قد وبخ بقوله : و عصى آدم ربه. و في مثل هذه الأشياء تحير خلق، حتى خرجوا إلى الكفر و التكذيب . و لو فتشوا على سر هذه الأشياء ، لعلمواأن تسليم هذه الأمور ، تكليف العقل ليذعن ! و هذا أصل ، إذا فهم ، حصل منه السلامةو التسليم . نسأل الله عز وجل أن يكشف لنا الغوامض ، التي حيرت من ضل ، أنه قريب مجيب . |
All times are GMT +3. The time now is 03:14 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.