قال الإمامُ الشوكانيّ في شرح نحو هذا الحديث مُبيّنًا معنى العافية:
"قال في "الصحاح":
(وعافَاهُ اللهُ وأعْفَاهُ بمعنًى واحد،
والاسمُ: العَافِيةُ، وهي دِفَاعُ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عنِ العَبْد.
وتُوضَع مَوْضِعَ المَصْدَر يُقال عَافَاهُ الله عافِيَةً).
فقوله: (دِفَاعُ اللهِ عنِ العَبْد) يفيد أنّ العافيةَ جميعُ ما يَدْفَعُهُ اللهُ
عنِ العَبْدِ مِنَ البلايا كائنةً ما كانت.
وقال في "النهاية": (والعافيةُ: أنْ يَسْلَمَ مِنَ الأسْقَامِ والبَلاَيا)،
وهذا يفيد العمومَ، كما أفاده كلامُ صاحب "الصحاح".
وقال في "القاموس": (والعافِيةُ: دِفَاعُ اللهِ عنِ العَبْد.
عافاهُ اللهُ مِنَ المَكْرُوهِ [عِفاءً و]
معافاةً وعافِيةً: وَهَبَ له العافِيَةَ مِنَ العِلَلِ [والبَلاءِ]، كأَعْفَاهُ).
انتهى. وهكذا كلامُ سائرِ أئمةِ اللغة.
وبهذا تَعرف أنّ العافية هي:
دِفَاعُ اللهِ عنِ العَبْد،
وهذا الدِّفاعُ الْمُضافُ إلى الاسمِ الشريفِ
يَشمل كلَّ نوعٍ مِن أنواع البَلايا والْمِحَنِ،
فكلُّ ما دَفَعَهُ اللهُ عنِ العبْدِ منها فهو عافيةٌ،
ولِهذا قال النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث:
«فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنْ الْعَافِيَةِ»".
إلى أن قال رَحِمَهُ اللهُ:
"فعلى العبْدِ أن يَستكثرَ مِنَ الدعاء بالعافية،
وقد أَغْنَى عنِ التطويل في ذِكرِ فوائدِها ومنافعها
ما ذَكَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث؛
فإنها إذا كانت بحيث إنه لم يُعْطَ أَحَدٌ بعْدَ اليقين خيرًا منها؛
فقد فاقت كُلَّ الخصال، وارتفعتْ دَرَجتُها على كلِّ خير.
وسيأتي في حديث العبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
ما يدلُّ على أنّ العافيةَ تَشمل أمورَ الدُّنيا والآخرة،
وهو الظاهرُ مِن كلام أهل اللغة؛
لأن قولَهم: (دِفَاعُ اللهِ عنِ العَبْد) غيرُ مُقَيَّدٍ بدِفاعِه عنه لأمورِ الدُّنيا فقط،
بل يَعُمُّ كلَّ دِفاعٍ يَتَعَلَّق بالدُّنيا والآخرة"
اﻫ "تحفة الذاكرين" ص456 و457.