الحمد لله وهو بالحمد جدير،
أحمده سبحانه وأشكره على فضله العميم وخيره الوفير،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له
{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }
وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه البشيرُ النذيرُ والسراجُ المُنير،
صلّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله ذوي القدر العليِّ وأصحابه أولي الشرف الكبير،
وعلى التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ومَن على طريق الحقِّ يسير،
مَن إذا فارقتَهم حفِظوك، وإذا غِبتَ عَنهم لم يَعيبوك، ومُبلِّغك الشرَّ كباغِيه لك،
ومَن أطاع الواشِي أضاعَ الصّديق، ومن نمَّ لك نمَّ عليك، ومَن بلَّغك السبَّ فقد سبَّك،
وشرٌّ من السّاعي من أنصتَ إليه،
ولو صحَّ ما نقلَه النمَّامُ إليك لكان هُو المُجترئَ بالشّتم عليك.
أمّا من نُقِل عنه الكلام فهو أَولَى بحِلمِك وصفحِك؛
لأنّه لم يُقابِلك بالسّوء والشّتم، ويكفيكم في ذلك :
قول نبيِّكم محمَّد صلى الله عليه و سلم :
( لا يُبلِغنَّ أحدٌ مِن أصحابي عن أحدٍ شيئًا ،
فإني أحِبُّ أن أخرُج إليكم و أنا سليمُ الصدر )
فالعاقلُ يغض طرفه عمّا ينقلُه الوُشاةُ، ويتحاشَى عمّا لا يليقُ بأهل العَقل والحِكمة؛
إذ عِند التأمُّل والنَّظر ترى أنَّ قصدَ النمَّام إلى المُخبِر أكثرُ من قصده إلى المُخبَر به،
فاللومُ على من أعلَمك لا من كلَّمك.
قيل لأم الدرداء رضى الله تعالى عنها :
إن رجلاً نالَ منكِ عند عبد الملك بن مروان،
فقالت رضى الله تعالى عنها :
" إن اتُّهِمنا بما ليس فينا فطالما زُكِّينا بما ليس فينا " .
على أنّه من نُقِل إليه من أخيه نميمة فلا مانعَ أن يُعاتِبه على الهَفوة،
ويقبَل عُذرَه إذا اعتذَر من غَير تعنيفٍ في العِتاب،
ومِن ثمَّ توطين النفس على الإكثارِ من الشّكر عند الحِفاظ والصّبر عند الضياع،
والرفقُ بالجاني عِتاب، والصفحُ من شِيَم الأحرار.
ألا فاتقوا الله رحمكم الله،
وحافِظوا على أُخوَّةِ الإسلامِ ورابطةِ الإيمان،
فمَن أراد أن يسلَم من الإثم ويبقَى له وُدُّ الإخوان فلا يقبَل قولَ أحدٍ في أحَد،
فقد أحبَّ قومٌ بقولِ قوما، وأبغضوهم بقولِ آخرين،
فأصبَحوا على ما سمعوا نادمين .
هذا و صلّوا ـ رحمكم الله ـ على خير البرية و أزكى البشرية
محمّد بن عبد الله صاحب الحوض و الشفاعة ،
فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسه ، و ثنى بملائكته المسبِّحة بقدسِه ،
و أيّه بكم أيها المؤمنون ،