قَالَ : فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا مِنْ مُتَابَعَتِهِ ، فَلَمَّا وُلِّيتُ رَجَعْتُ إِلَى مَا كُنْتُ أَعْرِفُ ،
قَالَ عَلِيٌّ وَ أَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَقَالَ : فَذَكَرَ مِثْلَ مَا حَكَاهُ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ ،
و أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَلِيٍّ نَظِيرَ مَا حَكَاهُ عَنْهُ زَاذَانُ مِنَ اخْتِيَارِهِ ،
و أَخَذَ مَالِكٌ بِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَ احْتَجَّ بَعْضُ أَتْبَاعِهِ لِكَوْنِهَا إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا يَقَعُ ثَلَاثًا
بِأَنَّ مَعْنَى الْخِيَارِ بَتُّ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ ،
إِمَّا الْأَخْذُ وَ إِمَّا التَّرْكُ فَلَوْ قُلْنَا إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا تَكُونُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً
لَمْ يُعْمَلْ بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ إِنَّهَا تَكُونُ بَعْدُ فِي أَسْرِ الزَّوْجِ ،
وَ تَكُونُ كَمَنْ خُيِّرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَاخْتَارَ غَيْرَهُمَا ،
و أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِ عُمَرَ وَ ابْنِ مَسْعُودٍ فِيمَا إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا .
فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ ، وَ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ إِلَّا إِيرَادُ السَّابِقِ ،
و قَالَ الشَّافِعِيُّ : التَّخْيِيرُ كِنَايَةٌ فَإِذَا خَيَّرَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ
وَ أَرَادَ بِذَلِكَ تَخْيِيرَهَا بَيْنَ أَنْ تَطْلُقَ مِنْهُ وَ بَيْنَ أَنْ تَسْتَمِرَّ فِي عِصْمَتِهِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا
وَ أَرَادَتْ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ طَلُقَتْ . فَلَوْ قَالَتْ لَمْ أُرِدْ بِاخْتِيَارِ نَفْسِي الطَّلَاقَ صُدِّقَتْ ،
و يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ فِي التَّخْيِيرِ بِالتَّطْلِيقِ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ جَزْمًا .
نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا حَافِظُ الْوَقْتِ أَبُو الْفَضْلِ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ ،
وَ نَبَّهَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى اشْتِرَاطِ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي التَّخْيِيرِ .
فَلَوْ قَالَ مَثَلًا : اخْتَارِي . فَقَالَتْ : اخْتَرْتُ لَمْ يَكُنْ تَخْيِيرًا بَيْنَ الطَّلَاقِ وَ عَدَمِهِ ،
و هُوَ ظَاهِرٌ لَكِنَّ مَحِلَّهُ الْإِطْلَاقُ . فَلَوْ قَصَدَ ذَلِكَ بِهَذَا اللَّفْظِ سَاغَ ،
و قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَيْضًا : إِنْ قَالَ اخْتَارِي يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ
فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَ يَقَعُ بَائِنًا .
فَلَوْ لَمْ يَنْوِ فَهُوَ بَاطِلٌ ، و كَذَا لَوْ قَالَ : اخْتَارِي فَقَالَتِ اخْتَرْتُ .
فَلَوْ نَوَى فَقَالَتِ اخْتَرْتُ نَفْسِي وَقَعَتْ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ ،
و قَالَ الْخَطَّابِيُّ : يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ . فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا ،
أَنَّهَا لَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا لَكَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا ، و وَافَقَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ
فَقَالَ فِي الْحَدِيثِ : إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا ،
أَنَّ نَفْسَ ذَلِكَ الِاخْتِيَارِ يَكُونُ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى نُطْقٍ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ ،
قَالَ : وَ هُوَ مُقْتَبَسٌ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ ،
قَالَ الْحَافِظُ : لَكِنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ أَنَّ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا ،
بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إِنْشَاءِ الزَّوْجِ الطَّلَاقَ ؛ لِأَنَّ فِيهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ أَيْ : بَعْدَ الِاخْتِيَارِ ،
وَ دَلَالَةُ الْمَنْطُوقِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ . انْتَهَى مَا فِي فَتْحِ الْبَارِي .