( ممَا جَاءَ فِي : طَلَاقِ الْمَعْتُوهِ )
حَدَّثَنَامُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّأَنْبَأَنَامَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ
عَنْعَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَعَنْعِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّرضى الله تعالى عنهم
عَنْأَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله تعالى عنهقَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ
( كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إِلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ )
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِعَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ
وَعَطَاءُ بْنُ عَجْلَانَضَعِيفٌ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ
مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ
لَا يَجُوزُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْتُوهًا يُفِيقُ الْأَحْيَانَ فَيُطَلِّقُ فِي حَالِ إِفَاقَتِهِ .
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : الْمَعْتُوهُ- مَا يَصْدُرُ مِنْهُ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ
وَضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا هَاءٌ ،
النَّاقِصُ الْعَقْلِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الطِّفْلُ وَالْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ ،
والْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ . انْتَهَى .
قَوْلُهُ : ( كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ )
أَيْ : وَاقِعٌ ( إِلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ :
عُتِهَ كَعُنِيَ عَتْهًا وَعُتْهًا وَعُتَاهًا فَهُوَ مَعْتُوهٌ : نَقَصَ عَقْلُهُ ، أَوْ فُقِدَ ، أَوْ دُهِشَ . انْتَهَى ،
وقَالَالْجَزَرِيُّفِي النِّهَايَةِ : الْمَعْتُوهُ هُوَ الْمَجْنُونُ الْمُصَابُ بِعَقْلِهِ ، وَقَدْ عُتِهَ فَهُوَ مَعْتُوهٌ . انْتَهَى
( الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ ) تَفْسِيرُ الْمَعْتُوهِ وَأَوْرَدَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ :
وَالْمَعْتُوهُ ، قَالَالْقَارِي : كَأَنَّهُ عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْمَغْلُوبِ بِلَا وَاوٍ .
قوله : ( هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِعَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ
وَ عَطَاءُ بْنُ عَجْلَانَضَعِيفٌ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ )
أَيْ : غَيْرُ حَافِظٍ لَهُ ، قَالَ الْحَافِظُزَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّهَذَا حَدِيثُأَبِي هُرَيْرَةَ
انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِالتِّرْمِذِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ عَجْلَانَلَيْسَ لَهُ عِنْدَالتِّرْمِذِيِّإِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ ،
وَلَيْسَ لَهُ فِي بَقِيَّةِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ شَيْءٌ ، وَهُوَ حَنَفِيٌّ بَصْرِيٌّ يُكَنَّىأَبَا مُحَمَّدٍوَيُعْرَفُ بِالْعَطَّارِ ،
اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ ، قَالَابْنُ مَعِينٍوَالْفَلَّاسُ : كَذَابٌ ،
وقَالَأَبُو حَاتِمٍ : وَالْبُخَارِيُّمُنْكَرُ الْحَدِيثِ . زَادَأَبُو حَاتِمٍ: جِدًّا ، وهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ . انْتَهَى .
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ قَدْ رُوِيَ عَنْعَلِيٍّبِسَنَدٍ صَحِيحٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ ،
قَالَ الْبُخَارِيُّفِي صَحِيحِهِ : وَقَالَعَلِيٌّرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَكُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إِلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ ،
قَالَالْعَيْنِيُّ : ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ ، وَوَصَلَهُالْبَغَوِيُّفِي الْجَعْدِيَّاتِ . انْتَهَى .
قَوْلُهُ : ( وَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ،
وَ غَيْرِهِمْ أَنَّ طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ لَا يَجُوزُ إِلَخْ )
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : وفِيهِ خِلَافٌ قَدِيمٌ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ
أَنَّ الْمُحَبِّرَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ،
وَكَانَ مَعْتُوهًا فَأَمَرَهَا ابْنُ عُمَرَ بِالْعِدَّةِ فَقِيلَ لَهُ : إِنَّهُ مَعْتُوهٌ .
فَقَالَ : إِنِّي لَمْ أَسْمَعِ اللَّهَ اسْتَثْنَى لِلْمَعْتُوهِ طَلَاقًا ، وَلَا غَيْرَهُ ،
وذَكَرَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِثْلَ قَوْلِ عَلِيٍّ . انْتَهَى ،
قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ : قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ : وَالْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ يَعُمُّ السَّكْرَانَ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ ،
وَالْمَجْنُونَ وَالنَّائِمَ ، وَالْمَرِيضَ الزَّائِلَ عَقْلُهُ بِالْمَرَضِ ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ - طَلَاقُهُمْ - ،
فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُمْ ، وكَذَا الصَّبِيُّ ، وفِي الْهِدَايَةِ :
وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ ، وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ ، وَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ ، والْمَعْتُوهُ كَالْمَجْنُونِ ،
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ : قِيلَ هُوَ قَلِيلُ الْفَهْمِ الْمُخْتَلِطُ الْكَلَامِ الْفَاسِدُ التَّدْبِيرِ لَكِنْ لَا يُضْرَبُ ،
وَلَا يُشْتَمُ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ ، وقِيلَ الْعَاقِلُ مَنْ يَسْتَقِيمُ كَلَامُهُ ،
وَأَفْعَالُهُ إِلَّا نَادِرًا وَالْمَجْنُونُ ضِدُّهُ ، وَالْمَعْتُوهُ مَنْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى السَّوَاءِ ،
وهَذَا يُؤَدِّي إِلَى أَنْ لَا يُحْكَمَ بِالْعَتَهِ عَلَى أَحَدٍ ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ،
وَمَا قِيلَ مَنْ يَكُونُ كُلٌّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ غَالِبًا مَعْنَاهُ يَكْثُرُ مِنْهُ ،
وقِيلَ مَنْ يَفْعَلُ فِعْلَ الْمَجَانِينِ عَنْ قَصْدِهِ مَعَ ظُهُورِ الْفَسَادِ ، وَالْمَجْنُونُ بِلَا قَصْدٍ ،
وَالْعَاقِلُ خِلَافُهُمَا ، وَقَدْ يَفْعَلُ فِعْلَ الْمَجَانِينِ عَلَى ظَنِّ الصَّلَاحِ أَحْيَانًا ،
وَالْمُبْرَسَمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَدْهُوشُ كَذَلِكَ ،
وهَذَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إِلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ .
انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ ،
وقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَذَهَبَ إِلَى عَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ السَّكْرَانِ أَيْضًا أَبُو الشَّعْثَاءِ
وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَعِكْرِمَةُ وَالْقَاسِمُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ .
ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ ، وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ وَالْمُزَنِيُّ ،
وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ لَا يَقَعُ ،
قَالَ : وَالسَّكْرَانُ مَعْتُوهٌ بِسُكْرِهِ ، وَقَالَ بِوُقُوعِهِ طَائِفَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ
وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ وَالزُّهْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ ، وبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ ، وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ ،
وعَنِ الشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ الْمُصَحَّحُ مِنْهُمَا وُقُوعُهُ ، والْخِلَافُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالتَّرْجِيحُ بِالْعَكْسِ ،
وقَالَ ابْنُ الْمُرَابِطِ إِذَا تَيَقَّنَّا ذَهَابَ عَقْلِ السَّكْرَانِ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ ، وَإِلَّا لَزِمَهُ ،
وقَدْ جَعَلَ اللَّهُ حَدَّ السُّكْرِ الَّذِي تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ أَنْ لَا يَعْلَمَ مَا يَقُولُ ،
وهَذَا التَّفْصِيلُ لَا يَأْبَاهُ مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِهِ ،
وَإِنَّمَا اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِوُقُوعِهِ مُطْلَقًا بِأَنَّهُ عَاصٍ بِفِعْلِهِ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ الْخِطَابُ بِذَلِكَ ،
وَلَا الْإِثْمُ ؛ لِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ
قَبْلَ وُقُوعِهِ فِي السُّكْرِ ، أَوْ فِيهِ ،
وأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ لَا تَخْتَلِفُ أَحْكَامُ فَاقِدِ الْعَقْلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَهَابُ عَقْلِهِ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ ،
أَوْ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ ؛ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ بِسَبَبٍ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ ،
أَوْ بِسَبَبٍ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ ، كَمَنْ كَسَرَ رِجْلَ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الْقِيَامِ
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْقِيَامَ انْتَقَلَ إِلَى بَدَلٍ ، وَهُوَ الْقُعُودُ فَافْتَرَقَا ،
وأَجَابَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الِاحْتِجَاجِ بِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ بِأَنَّ النَّائِمَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ ،
وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ فَافْتَرَقَا . انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ .
اللهم صلى و سلم و بارك علي عبدك و رسولك
سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين .