موقع " بلغوا عنى و لو آية " الصديق
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في شرح حديث
( دخلتِ امرأةٌ على عائشةَ قد شُلَّت يدُها فقالت:
يا أمَّ المؤمنين، بِتُّ البارحةَ صحيحةُ اليدِ فأصبحْتُ شَلَّاءَ!
قال: كان لي أبوانِ مُوسرانِ، كان أبي يعطي الزكاةَ ويُقري الضيفَ
ويعطي السائلَ ولا يَحقِرْ من الخيرِ شيئًا إلا فعله،
وكانت أمي امرأةً بخيلةً مُمسكةً، لا تصنع في مالِها خيرًا،
فمات أبي ثم ماتت أمي بعده بشهرَين، فرأيتُ البارحةَ في منامي أبي
وعليه ثوبانِ أصْفران، بين يدَيه نهرٌ جارٍ،
قال : يا بنيةُ، من يعمل في هذه الدنيا خيرًا يرَه، هذا أعطانيه اللهُ تعالى.
قال : هيهاتَ ! عُدِلت عنَّا، فاذهبي فالتمِسيها ذاتَ الشِّمالِ ،
فمِلْتُ عن شمالي، فإذا أنا بأمي قائمةً عريانةً مُتَّزِرَةً بخِرقةٍ،
بيدِها شُحيمةٌ تنادي: والهْفا، واحسرَتاه، واعطَشاه.
فإذا بلغها الجهدُ دلكتْ تلك الشُّحَيمةُ براحتِها ثم لحسَتْها،
وإذا بين يدَيها نهرٌ جارٍ،
قلتُ: يا أماه ما لك تنادِين العطشَ، وبين يدَيك نهرٌ جارٍ؟
قالت : لا أُترَكُ أن أشربَ منه.
قالت: وددتُ أنكِ فعلتِ، فغرفتُ لها غُرفةً فسقَيتُها،
فلما شربت نادى مُنادٍ من ذاتِ اليمينِ: ألا من سقى هذه المرأةَ شُلَّت يمينُه
مرتين فأصبحْتُ شلَّاءَ اليمينِ، لا أستطيعُ أن أعملَ بيميني.
قالت لها عائشةُ: وعرفتِ الخِرقةَ؟
قالت: نعم يا أمَّ المؤمنين، وهي التي رأيتُها عليها، ما رأيتُ أمي تصدَّقتْ
بشيءٍ قطُّ، إلا أنَّ أبي نحر ذاتَ يومٍ ثورًا، فجاء سائلٌ فعمِدتْ أمي إلى عظمٍ
عليه شُحَيمةٌ فناولَتْه إياه، وما رأيتُها تصدَّقت بشيءٍ إلا أنَّ سائلًا جاء يسأل،
فعمِدت أمي إلى خِرقةٍ فناولتْها إياه.
فكبَّرتْ عائشةُ –رضى اللهُ عنها– وقالت:
صدق اللهُ وبلَّغَ رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
{ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *
وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّا يَرَهُ } )
أخرجه الحافظ أبو موسى المديني في كتابه الترغيب والترهيب
عن طريق أبي الشيخ الأصبهاني الحافظ ،
وحسنه الحافظ ابن رجب الحنبلي في
"يتبع الميت ثلاث" (2/429).