كان لنا أصدقاء و إخوان أعتد بهم ،
فرأيت منهم من الجفاء ، و ترك شروط الصداقة و الأخوة عجائب ،
فأخذت أعتب .
ثم انتبهت لنفسي فقلت : و ما ينفع العتاب ،
فإنهم إن صلحوا فللعتاب لاللصفاء .
فهممت بمقاطعتهم ،
ثم تفكرت فرأيت الناس بين معارف و أصدقاء فيالظاهر وإخوة مباطنين ،
فقلت : لا تصلح مقاطعتهم .
إنما ينبغي أن تنقلهم منديوان الأخوة ، إلى ديوان الصداقة الظاهرة .
فإن لم يصلحوا لها نقلتهم إلىجملة المعارف ،
و عاملتهم معاملة المعارف ،
و من الغلط أن تعاتبهم .
فقد قاليحيى بن معاذ: بئس الأخ أخ تحتاج أن تقول له أذكرني فيدعائك .
و جمهور الناس اليوم معارف ، و يندر فيهم صديق في الظاهر ،
فأماالأخوة و المصافات فذاك شيء نسخ ، فلا يطمع فيه .
و ما أرى الإنسان تصفو لهأخوة من النسب و لا ولده و لا زوجته .
فدع الطمع في الصفا ، و خذ عن الكلجانباً ،
و عاملهم معاملة الغرباء
.
و إياك أن تنخدع بمن يظهر لك الود ،
فإنه مع الزمان يبين لك الحال فيما أظهره ،
و ربما أظهر لك ذلك لسبب يناله منك .
و قد قالالفضيل بن عياض: إذا أردت أن تصادقصديقاً فأغضبه ،
فإن رأيته كما ينبغي فصادقه .
و هذا اليوم مخاطرة ، لأنكإذا أغضبت أحداً صار عدواً في الحال .
و السبب في نسخ حكم الصفا ،
أن السلفكان همتهم الآخرة و حدها ،
فصفت نياتهم في الأخوة و المخالطة ، فكانت ديناً لا دنيا
. و الآن فقد إستولى حب الدنيا على القلوب ،
فإن رأيت متملقاً في باب الدين فأخبرهتقله
.