قال الطبري في تهذيب الآثار (3/ 149) :
[ وذلك أن من طلب العلم لبعض هذه الوجوه ، فلم يطلبه لما أمر الله
بالطلب له ، وذلك أن الله تعالى ذكره ، إنما أمر بطلب العلم للعمل به ،
والقيام بالواجب عليه فيما علمه منه ، ووهب له من معرفته ،
أو لتعليم جاهل وإرشاد ضال ، لا لمباهاة العلماء ، أو مماراة السفهاء ،
وصرف وجوه الناس به إليه . وذلك أن هذه وجوه ليس في شيء منها له
رضى ، ولا هو مما أقر به ولا ندب إليه ، بل زجر عنه ونهى ،
فحظ طالبه منه التقدم على معصية الله ، والمتقدم على معصية الله النار أولى
به ، إن لم يعف الله جل ثناؤه عنه بفضله .
ويدخل في معناه جميع أعمال العباد المطلقة والمأمور بها ، من المطاعم ،
والمشارب ، والملابس ، والمراكب ، والمناكح ، والمنطق ، والصمت ،
والمشي ، والجلوس ، والقيام ، والاضطباع ، وغير ذلك من سائر
الأعمال المباح للعباد عملها ، والمأمور به منها حتى يكون العبد مثابا عليها
من حال عمله إياها ، مريدا بها العمل على الوجه الذي يكون لله تعالى
في العمل بها على ذلك الوجه رضى ، أو يكون مستحقا منه بها العقوبة
على عمله إياها مريدا بها عملها على الوجه الذي له فيه السخط والكراهة ،
وذلك كالطاعم من الطعام الزيادة على ما أقام رمقه ،
وأمن معه على نفسه العطب ، فإن زيادته ما زاد على ذلك ،
إن قصد بها طلب القوة على قراءة القرآن ،
أو على القيام للنوافل والفرائض من الصلاة ، أو لجهاد أعداء الله
من المشركين ، وما أشبه ذلك من الأعمال فإن ذلك من فعله ذلك يستحق به
من ثواب الله الجزيل ، ومن كرامته الجسيم ،
وإن كان أي زيادة ما ازداد على ذلك طلبا للقوة على حمل مال لمسلم
قد سرقه إياه ، أو على قتل رجل ممن حرم الله قتله أو على سلبه ،
أو تسوره حائطا على امرأة عليه حرام الفجور بها ، وما أشبه ذلك
من الأعمال التي يسخطها الله ولا يرضاها ، فإن ذلك من فعله كذلك مستحق
به من عذاب الله العظيم ، ومن عذابه الأليم ، إلا أن يعفو جل ثناؤه تفضلا
منه عليه ، وكذلك سائر الأعمال التي ذكرنا ، والعلة التي بينا ]