مثل وقوفك يـوم الحشر عريانا مستطعفا قلق الأحشــاء حيرانا
النار تزفر من غيــظ ومن حنق على العصاة وتلقى الرب غضبان
اقرأ كتابك يا عـبدي على مهل وانظر ليه ترى هل كان ما كان
وأما حر الدنيا فإنه يتقى, فقد مد الله لعباده الظل يقيهم الحر,
ورزقهم الماء يرويهم من العطش, وأوجد لهم الهواء والريح الكريمة
أما في جهنم فإن هذه الثلاثة تنقلب عذاباً على أهلها فالهواء سموم,
{ وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ
لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ }
{ انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ
إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ }
عياذاً بالله من حرها فشررها قطع ضخمة على قد الحصون والقصور
ويشبه الإبل السود في لونه من شدة السواد, أما دخانها فمتشعب إلى ثلاثة
وهو يحموم لا ظليل ولا يغني من لهب جهنم الحارق.
فأين صبرك يا عبد الله على هذا؟ فهلاً نفسك من هذا البأس العظيم والخطر
الجسيم؟ فها هو النذير ينذر بهذا الشر العظيم.
ويخبر عن جهنم كيف تصنع بالعصاة المجرمين.
يـا ويـلهم تحرق النيران أعظمــهم بـالـموت شهوتهم من شدة الضجر
وكـل يـوم لـهـم فـي طـول مدتهـــم نـزع شـديـد مـن الـتـعـذيب بالسعر
ومن شدة حرها تلفح الوجوه فتتركها عظاماً لا لحم فيها,
{ لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ
وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ }
ومن شدة حرها تصهر البطون وما في أحشائها من أمعاء قال تعالى:
{ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ
يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ }
فاتق الله يا عبد الله. واعلم أن الخطب جسيم, وأن الخطر قريب,
فالجنة أقرب إليك من شراك نعلك والنار كذلك,
كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فالبدار البدار إلى التوبة. فإن جهنم لا نترحم وإن جحيمها لا يخمد.
وما على الرسول إلا البلاغ المبين.
والضيق في جهنم إحدى وسائل العذاب التي يصبها الله على الكفار والعصاة..
فالضيق يشمل ظواهرهم وبواطنهم, وكيف لا ونفوسهم أصابها من الهم
والغم والحسرة مالا يوصف مما هم فيه من العذاب والنكال..
حر وحميم وسموم ويحموم سلاسل وأصفاد وظلمة وسواد..
وقد اجتمعت عليهم ألوان العذاب وأشكاله فنفوسهم ضيقة ضنكة,
وفوق ذلك كله تجدهم محشورين في أضيق الأماكن في جهنم تنكيلاً بهم
وزياد لهم في الغم والهم قال تعالى:
{ وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُور }
فهم ملقون في أضيق الأماكن,وقد كانوا في الدنيا ينحتون من الجبال القصور
فرحين بها, فما أحوجهم يوم القيامة إلى شبر من الأرض يعبدون الله فيه
فينجون من ذلك الضيق وذلك العذاب.
{ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ }
فارحم نفسك يا عبد الله فبل فوات الأوان فأنت تحسب ألف حساب في حيتك
حتى لا ترتكب ما يدخلك السجن في الدنيا, وقد تضطر إلى أن تتجاوز
عن حقك, مقابل السلامة والحرية والنجاة من ذلك, أفلا يكون احتياطك
أو قادر أنت على سجينها المظلم الضيف الحميم؟
أو يتحمل جسمك الضعيف أو جلدك اللطيف حر النار ولهيبها وثقل الأغلال
تـنـبـه قـبـل الـموت إن كنت تعــقل فـعـمـا قـريـب لـلـمـقـابـر تـحـمـــل
وتـمسي رهيناً في القبور وتنــثني لـدى جـدث تـحـت الـثـرى تـتـجندل
فـريـداً وحــيـداً فـي الـتـراب, وإنما قـريـن الفتى في القبر ما كان يعمل
وجهنم مع ما يحصل لأهلها من الضيق, فهي واسعة ضخمة,
يدل على ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال:
( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , إذ سمع وجبة (أي سقطة)
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : تدرون ما هذا؟
قال: هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفاً,
فهو يهوى في النار إلى الآن )
ومما يدل على سعة النار وعظمها كثرة الداخلين إليها على ما هم عليه
من ضخامة الجسم وعظم الهيئة, وكذلك قذف الشمس والقمر فيها
على ضخامة الشمس وسعة القمر,
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة )
ولك أن تتصور أخي الكريم ضخامة جهنم وعظمها, فهي واسعة عظيمة,
كبيرة مهولة, ومع ذلك يجد فيها المجرمون من الضيق ولاحبس ما يعضون
عليه الأنامل من ندم التفريط في الدنيا, ولك أن تتصور جسرها وكيف
أنه يكفي لحمل الخلائق كلهم يوم القيامة, فكيف بجهنم نفسها؟