( أنها سألتْ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عن قوله
{ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِه }
قالتْ : قلتُ : فأين الناسُ يومئذٍ يا رسولَ اللهِ ؟ !
[الترمذي وقال حسن صحيح غريب من هذا الوجه وهو صحيح الإسناد]
فأين ما جمعوا في الدنيا وهم على جسرها العظيم, ينتظرون نتيجة المصير.
قد نادت الدنيا على نفسها لو كان في العالم من يسمع
كم واثق بالــعمر أفنيته وجامع بددت ما يجــمع
[ الدنيا أمثال تضربها الأيام للنام لا يحتاج إلى ترجمان
وبحب الدنيا صمت أسماع القلوب عن المواعظ ]
ومما يدل –أخي الكريم- على سعة جهنم كثرة الملائكة الذين يأتون بها
( يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام,
مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرُّونَها )
{ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ }
وهذا ما يدل على عظمها وأنها تسع الكفار والمجرمين والعصاة.
ولك أن تتصور هذا العدد الهائل من الملائكة وهم يأتون يوم القيامة,
وكل ملك لا يعلم عظم قوته وضخامته وشكله إلا الله. فو الله إنه لمشهد تنكسر
له النفس, يبعث على الرعب والخوف, ويجتث من القلوب حب الدنيا
فــمـا هـي إلا جـيـفـة مـسـتـحـيـلـة عـلـيـهـا كـلاب هـمـهـن اجـتـذابـها
فـأن تـجـتـنـبـهـا كنت سلما لأهلها وإن تـجـتـذبـهـا نـازعـتـك كـلابـها
بادر بالتوبة إلى الله من آثامك وابك على خطاياك في إقدامك وإحجامك.
يــا رب عــفـوك لا تـأخـذ بـزلـتـنـا واغـفـر أيـا رب ذنـبـنـا قـد جـنيناه
أما عذاب جهنم فإنه ألوان وأشكال متعددة.
بحسب تنوع دركاتها وإجرام أهلها وما قدموه من السيئات والآثام في الدنيا.
{ بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ
فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
وهذه الآية نزلت في الكفار خاصة فسيئاتهم تحيط بهم ناراً يوم القيامة
{ لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ }
ففراشهم نار ولحافهم نار وقد أحيطوا بالنيران من كل مكان وكبلوا بالسلاسل
والأغلال وسقوا ماء فقطع أمعاءهم فاللهم رحمتك نرجو وبك نستعيذ
واعلم أن الله جل وعلا لا يظلم مثقال ذرة, لذلك فالمعذبون يختلفون
يوم القيامة في العذاب كل بحسب ذنبه وزلته.
( إِنَّ منهم مَنْ تأخذُهُ النارُ إلى كعبيْهِ ، ومنهم مَنْ تأخذُهُ إلى ركبتَيْهِ ،
ومنهم مَنْ تَأْخُذُهُ إلى حُجْزَتِهِ ، و منهم مَنْ تأخذُهُ إلى عنُقِهِ )
أخي: لا تحقر ذنباً مهما صغر فلربما كان مصرعك في احتقاره ولازم
خل الذنوب صغيــــــرها وكبيـرها فهو التـــــقى
واصنع كمـــــــاش فوق أرض الشــــوك يحذر ما يرى
لا تحــــقرن صغيـــــرة إن الجبـــال من الحــصى
ومن عذاب جهنم صب الحميم فوق رؤوس أهلها قال تعالى:
{ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ
فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ
يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ }
وحينما يصب فوقهم ذلك الحميم الشديد الحرارة, تنقطع جلودهم وتذوب,
وتتمزق أحشاء بطونهم وتصهر, فلا صبر ولا هروب, ولا مخرج ولا نجاة,
ولا موت ولا هلاك, وانما يحيون بعد ذوبانهم فيعادون للعذاب الشديد,
( إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ حتى يخلص إلى جوفه
فيسلت ما جوفه, حتى يمرق من قديمه, وهو الصهر, ثم يعود كما كان )
[الترمذي وقال حسن غريب صحيح، انظر جامع الأصول]
ومن أهل النار من تأكله النار إلى فؤاده. قال تعالى:
{ كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ
الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ }
[ تحرقهم النار إلى الأفئدة وهم أحياء, لقد بلغ منهم العذاب, ثم يبكي ]
ومنهم من تندلق أمعاءه فيطحن فيها, وذلك الذي يعظ بما لا يتعظ
فقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( يجاء بالرجل يوم القيامة, فيلقى في النار, فتندلق أقتابه في النار,
فيطحن فيها كما يطحن الحمار برحاه, فيجتمع أهل النار عليه,
فيقولون: أي فلان, ما شأنك,
أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟
قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه, وأنهاكم عن المنكر وآتيه )
ومن أهل النار من تلفح النار وجهه,
فيلقى فيها كما تلقى السمكة في الزيت الحار قال تعالى:
{ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُون }
{ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ }
ولك أن تتصور أخي الكريم: حال وجوههم ولقد ذهب لحمها وبقي عظمها,
فيالها من بشاعة, ويا له من ألم ومهانة, تتقلب وجوههم في النار
وهم ينادون فلا يسمعون ويصرخون ولا يرحمون, ويطلبون الموت
فلا يجابون, وحينما تذوب جلودهم بالنار, يبدلهم الله جلوداً غيرها.
لأنها مركز إحساسهم بالألم, وهذا فيه آية وإعجاز لمن كان له قلب أو ألقى
فقد ثبت في الطب الحديث أن الجلد مركز الإحساس بالألم وغيره,
وقد ذكر الله جل وعلا أن أهل الجحيم حينما تذوب جلودهم وتحترق يخلق لهم
جلوداً أخرى ليحسوا بالعذاب من جديد قال تعالى
{ سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا
لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيم }
أن الكافر يوم القيامة يقسم بالله أن لم ير خيراً قط, بمجرد ما تلفحه النار
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة,
ثم يقال: يا ابن آدم, هل رأيت خيراً قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟
فاستعن بالله يا عبد الله, فإنما الدنيا إلى زوال, وإن نعيمها كالخيال
وإنما هي دار ابتلاء وامتحان, واحذر مداخل الشيطان والزم التقى واحذر
النفس والهوى فإن هذه الأربعة أسباب التعاسة في الدنيا,
والعذاب في الآخرة. قال تعالى:
{ فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى }
إنـي بـلـيـت بـأربـع يـرميــــــــنني بـالـنـبـل قـد نـصـبـوا عـلي شـراكا
إبليس والدنيا والنفـــــس والهوى مــن أيــن أرجــو بـيـنـهـن فـكـاكـا
يـا رب سـاعـدنـي بـعـــــــفـو إنني أصــبــحـت لا أرجـو لـهـن سـواكـا