أهل النار يصيبهم الجوع والعطش, فيطعمهم الله طعاماً يزيدهم عذاباً
على عذاب, مما يجدونه من الألم والحر في بطونهم بعد أكله فلا هم يذهبون
حرارة الجوع بذلك الطعام, ولا هم يهنؤون,
{ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ }
والضريع نوع من الشوك المر النتن, لا ينفع آكله ولا يشبعه
ويعرف عند الحجازيين بالشربق.
[ من أضرع الطعام وأشبعه ]
وكل طعام يأكله أهل النار يجمع عليهم مرارة الطعام وغصته
{ إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيم وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيم }
والغصة هي التي يعلق بها الطعام في الحلق فلا يسهل عليه دخوله
إلى الجوف ولا يسهل خروجه عنه للتخلص منه.
ومن طعام أهل النار صديد الأبدان والقيح, فمن شدة جوعهم وفقدهم للطعام
يلتفتون إلى صديدهم فيطعمون منه ولا يستسيغونه.
{ وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ }
والغسلين و الصديد وهو أنواع وألوان قال تعالى:
{ هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ }
فتأمل أخي –حفظك الله- في هذا المشهد المشين, الذي تتقزز النفس
من سماعه, فضلاً عن رؤيته وانظر إلى هؤلاء البؤساء في مشهدهم
هذا وهم يلعقون الضريع والقيح والغسلين, وألوان العذاب فوق رؤوسهم
وعن أيمانهم وعن شمائلهم إنها الخزي والندامة والحسرة والخسارة.
فيا ساهياً في غمرة الجهل والهوى صـريـع الأمـانـي عـن قريب ستندم
أفـق قـد دنـا الوقت الذي ليس بعده ســوى جــنــة أو حـر نـار تـضـرم
ويا قبح طعم ما يأكلون, لا تستسيغه أذواقهم, ولا تقبله ألسنتهم,
ومن شدة ما هم فيه من آلم الجوع ومرارة الطعم, يتمنون الموت
فلا يموتون، بل يزدادون عذاباً فوق عذاب قال تعالى:
{ مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ
وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ }
أما فاكهتهم فإنها من شجرة الزقوم وإنها لشجرة شنيعة المنظر فظيعة
المظهر مرة المذاق قال تعالى:
{ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ
ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ }
فأي نكال بعد هذا النكال, واسمع إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
( لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا,
لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم, فكيف بمن تكون طعامه )
أما شراب أهل النار فإنه الحميم الشديد الحرارة, يشربونه من شدة العطش
وهم يعملون حرارته وحميمه فيقطع أمعاءهم وأحشاءهم.
{ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ
بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقا }
{ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ }
{ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا ۖ
لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ }
فاللهم عفوك ورحمتك, فما أشقى هذه الحياة, وما أتعس أهلها.
فراشهم من نار ولحافهم من نار وفاكهتهم من نار وطعمهم من نار,
وشرابهم الحميم وظلهم اليحموم.. ولا غياث ولا كريم كلما استغاثوا لأجيبوا:
{ قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ }
فيا من تعصى الله تصور نفسك وأنت في هذه الحال,
وقد رميت لهذا المآل وقذف بك في جهنم, أتراك تفديك أموالك,
أم تراك ينجيك جاهك وأولادك, فتب إلى الله, فقد أوشك الفول وقرب الحساب.
فـمـا هي إلا ساعة وسوف تنقضي ويـدرك غـب الـسـير من هو صابر
واعلم أن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ويفرح بتوبة عبده ويفرحه
بها, ويجزيه عليها خير الجزاء وقل يا رب:
أسـأت ولـم أحـسن وجئتك تائـــــباً وأنـي لـعــبـد عـن مـوالـيـه يـهرب
يـؤمـل غـفـرانـاً فإن خــــــاب ظنه فـمـا أحـد مـنـه عـلى الأرض أخيب
{ ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً }
فيا عبد الله استعن بالله ولا تعجز, وسر على درب قافلة النجاة,
استمسك بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ,
والصحابة من بعده ولازم التوبة والاستغفار فإنها حلية الصالحين ومنار
الأنبياء والمرسلين قال تعالى مخاطباً عباده المؤمنين:
{ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
وتأمل كيف علق فلاحهم –وهم المؤمنون- على التوبة ليعلم كل مؤمن
أن الخير في ملازمته لهذه العبادة الجليلة:
أســتــغــفــر الله مــمـا يـعـلــــم الله إن الــشــقــي لـمـن يـحــــــــرم الله
مــا أحــلــم الله عــمـن لا يـراقــبـه كــل مــسـيء ولــكــن يــحــلـم الله
فـاسـتـغـفـر الله مـمـا كـان مـن زلل طـوبـى لـمـن كـف عـمـا يـكـره الله
طـوبـى لـمـن حـسنت منه سريرته طـوبـى لـمـن يـنـتهي عما نهى الله
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ
عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون }
فخزنة جهنم موصوفون بالغلظة والشدة لما لمناسبة هاتين الصفتين
لمكان العذاب, فهم غلاظ على الكفار شداد عليهم, فلا يغلبون ولا يقهرون
ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون,
وقد ذكر الله جل وعلا عدتهم فتنة للمنافقين والكفار فقال سبحانه:
{ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ
لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرعَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ }
وقد افتتن المنافقون بذلك فظنوا أنهم قادرون على هذا العدد القليل,
فأعقب الله جل وعلا الآية بقوله:
{ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا }
فــيــهــا غـلاظ شـداد مـن مـلائـكـة قـلـوبـهـم شـدة أقـوى مـن الـحـجر
وأما هيئة أهل النار فإنها عظيمة هائلة, جسد الواحد منهم مثل عدد من جبال
الدنيا الكبيرة العالية, ولا تسل عن ضروسهم ورؤوسهم وجلودهم فهي
من العظمة ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه, وما ذاك إلا ليذوقوا العذاب
في أعلى صوره وأنكى شدائده, فإنه كلما تضخم جسمهم كلما قوي العذاب
في جنباتهم, فعظم أجسادهم نوع من العذاب قال صلى الله عليه وسلم :
( ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع )
وقال صلى الله عليه وسلم :
( ضرس الكافر, أو ناب الكافر, مثل أحد, وغلظ جلده مسيرة ثلاث )