من المفروض أن أتحدث عن عبد العزيز غندورة وعصاميته،
ولكن القلم أستطرد بي إلى الحديث عن رحلتنا سوياً إلى لبنان وسوريا .
أعود لقصة المهندس عبد العزيز غندورة لما فيها من عبرة للشباب .
التحق عبد العزيز بكلية الهندسة جامعة القاهرة فتفوق فيها إلى أن تخرج
منها . كان راتبنا الشهري في مصر يومذاك 32 جنيه مصري ،
بالإضافة إلى بدلات الملابس والعلاج والكتب أكثرنا يصرف راتبه
قبل أن ينتهي الشهر والبعض يستعين بأهله أو يستدين ،
إلاّ القلة ومنهم عبد العزيز . كان يعيش على نصف راتبه
ويعين أهله بالنصف الآخر .
درجنا على أن نلتحق بشركة ارامكو للعمل والتدريب الصيفي ،
الراتب 1000 ريال شهرياً . وفي نهاية الصيف نعود خالين الوفاض
إلاّ من بعض الهدايا إلى الأهل والأصدقاء ، إلاّ القلة ومنهم عبد العزيز ،
كان يوفر نصف دخله من أرامكو لمساعدة أهله .
ويتخرج عبد العزيز من كلية الهندسة ليمارس الحياة العملية ،
فيتقلب في مناحيها وقد أكسبه عسر الحياة وشظفها صلابة وعزيمة
ومضاء يتصدى للعمل في العديد من المشاريع العمرانية الرائدة،
أنفاق مكة ، خزانات المياه العملاقة في المشاعر المقدسة ،
بناء عشرين ألف دورة مياه في منى ، إنشاء المجازر الحديثة ،
الإشراف على شق طريق كرا – الطائف وغيرها من المشاريع .
قرأت صفحات من سيرته الذاتية التي بدأ في تسطيرها ،
يستوقفك في هذه الصفحات فصل بعنوان "الرجال مواقف" يصف فيه
موقفاً له مؤثراً مع المغفور له الملك فيصل وهو يعرض عليه حلاً هندسياً
لفك الاختناق المروري عند جمرة العقبة .
تأخذه رهبة الموقف فلا يكاد يبين ثم ينطلق لسانه بما يراه حقاً ،
ويأخذ الملك برأيه . ولا يعرف قدر الرجال إلاّ الرجال .
وفي هذا الفصل يستعرض مواقف للمعلم بن لادن أحد رواد العصاميين
في بلادنا . رجل أمي أو شبه أمي ، ولكنه أثرى العمارة والبناء في بلادنا
أتطلع إلى أن يتم المهندس عبد العزيز غندورة كتابة سيرته الذاتية
ليقرأها الشباب ، وليعلموا أن النجاح في الحياة لا يأتي من فراغ ،
وإنما هو الجهد والصبر والمثابرة .