قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )
وَأَخْرَجَهُمُسْلِمٌ،وَأَبُو دَاوُدَ،وَالنَّسَائِيُّ، قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ :
وَلَهُ عِنْدَالطَّبَرَانِيِّفِي الْكَبِيرِ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا فِي بَعْضِهَا قِلَادَةٌ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ ،
وفِي بَعْضِهَا ذَهَبٌ وَجَوْهَرٌ ، وفِي بَعْضِهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ ،
وفِي بَعْضِهَا خَرَزٌ مُعَلَّقَةٌ بِذَهَبٍ ، وفِي بَعْضِهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا ،
وفِي أُخْرَى بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ ، وفِي أُخْرَى بِسَبْعَةِ دَنَانِيرَ ،
وأَجَابَالْبَيْهَقِيُّعَنْ هَذَا الِاخْتِلَافِ بِأَنَّهَا كَانَتْ بُيُوعًا شَهِدَهَافَضَالَةُ،
قَالَ الْحَافِظُ : وَالْجَوَابُ الْمُسَدِّدُ عِنْدِي أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ لَا يُوجِبُ ضَعْفًا ،
بَلِ الْمَقْصُودُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ مَحْفُوظٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ ،
وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُفْصَلْ ، وَأَمَّا جِنْسُهَا ،
وَقَدْرُ ثَمَنِهَا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالِاضْطِرَابِ ،
وَحِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي التَّرْجِيحُ بَيْنَ رُوَاتِهَا ،
وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ ثِقَاتٍ فَيُحْكَمُ بِصِحَّةِ رِوَايَةِ أَحْفَظِهِمْ وَأَضْبَطِهِمْ ،
وَيَكُونُ رِوَايَةُ الْبَاقِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ شَاذَّةً ،
وهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الَّذِي يُجَابُ بِهِ فِي حَدِيثِجَابِرٍوَقِصَّةِ جَمَلِهِ وَمِقْدَارِ ثَمَنِهِ .
انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ .
قَوْلُهُ : ( وَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ، وَ غَيْرِهِمْ لَمْ يَرَوْا أَنْ يُبَاعَ سَيْفٌ مُحَلًّى )
( أَوْ مِنْطَقَةٌ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ فِي الْفَارِسِيَّةِ كَمربند
( مُفَضَّضَةٌ ) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ التَّفْضِيضِ ،
قَالَ فِي الصُّرَاحِ تفضيض سيم كَوفت وسيم اندودكَردن
( وَهُوَ قَوْلُابْنِالْمُبَارَكِ،وَالشَّافِعِيِّ،وَأَحْمَدَوَإِسْحَاقَ) وَهُوَ مَنْقُولٌ
عَنْعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِوَابْنِهِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ
( وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَغَيْرِهِمْ )
وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ : إِنَّهُ يَجُوزُ إِذَا كَانَ الذَّهَبُ الْمُنْفَرِدُ أَكْثَرَ
مِنَ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ وَنَحْوِهَا لَا مِثْلَهُ ، وَلَا دُونَهُ ،
قَالَالنَّوَوِيُّفِي شَرْحِمُسْلِمٍفِي هَذَا الْحَدِيثِ :
إِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ ذَهَبٍ مَعَ غَيْرِهِ بِذَهَبٍ حَتَّى يُفْصَلَ ، فَيُبَاعَ الذَّهَبُ بِوَزْنِهِ ذَهَبًا ،
وَيُبَاعَ الْآخَرُ بِمَا أَرَادَ ، وَكَذَا لَا تُبَاعُ فِضَّةٌ مَعَ غَيْرِهَا بِفِضَّةٍ ،
وَكَذَا الْحِنْطَةُ مَعَ غَيْرِهَا بِحِنْطَةٍ ، وَالْمِلْحُ مَعَ غَيْرِهِ بِمِلْحٍ ،
وَكَذَا سَائِرُ الرِّبَوِيَّاتِ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ فَصْلِهَا ،
وَسَوَاءٌ كَانَ الذَّهَبُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ ، أَوْ قَلِيلًا ، أَوْ كَثِيرًا ، وَكَذَلِكَ بَاقِي الرِّبَوِيَّاتِ ،
وهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي كُتُبِالشَّافِعِيِّوَأَصْحَابِهِ ،
وَغَيْرِهِ الْمَعْرُوفَةُ بِمَسْأَلَةِ ( مُدِّ عَجْوَةٍ ) ،
وَصُورَتُهَا بَاعَ مُدَّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمًا بِمُدِّ عَجْوَةٍ ، أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ لَا يَجُوزُ لِهَذَا الْحَدِيثِ ،
وهَذَا مَنْقُولٌ عَنْعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَابْنِهِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ ،
وهُوَ مَذْهَبُالشَّافِعِيِّ،وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَوَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكِيمِ الْمَالِكِيِّ ،
وقَالَأَبُو حَنِيفَةَوَالثَّوْرِيُّوَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ :
يَجُوزُ بَيْعُهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ مِنَ الذَّهَبِ ، وَلَا يَجُوزُ بِمِثْلِهِ ، وَلَا بِدُونِهِ ،
وقَالَمَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ وَآخَرُونَ : يَجُوزُ بَيْعُ السَّيْفِ الْمُحَلَّى بِذَهَبٍ،
وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ بِمَا فِيهِ ذَهَبٌ ،
فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالذَّهَبِ إِذَا كَانَ الذَّهَبُ فِي الْمَبِيعِ تَابِعًا لِغَيْرِهِ ،
وَقَدَّرُوهُ بِأَنْ يَكُونَ الثُّلُثَ فَمَا دُونَهُ ،
قَالَ : وَأَجَابَتِ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الذَّهَبَ فِيهَا كَانَ أَكْثَرَ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا ،
وَقَدِ اشْتَرَاهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا . قَالُوا : وَنَحْنُ لَا نُجِيزُ هَذَا ،
وَإِنَّمَا نُجِيزُ الْبَيْعَ إِذَا بَاعَهَا بِذَهَبٍ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهَا فَيَكُونُ مَا زَادَ مِنَ الذَّهَبِ الْمُنْفَرِدِ
فِي مُقَابَلَةِ الْخَرَزِ وَنَحْوِهِ مِمَّا هُوَ مِنَ الذَّهَبِ الْمَبِيعِ فَيَصِيرُ كَعَقْدَيْنِ ،
وأَجَابَالطَّحَاوِيُّبِأَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي بَيْعِ الْغَنَائِمِ :
لِئَلَّا يُغْبَنَ الْمُسْلِمُونَ فِي بَيْعِهَا ،
قَالَالنَّوَوِيُّ : وَدَلِيلُ صِحَّةِ قَوْلِنَا وَفَسَادِ التَّأْوِيلَيْنِ يَعْنِي : جَوَابَ الْحَنَفِيَّةِ
وَ جَوَابَالطَّحَاوِيِّأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
لَا يُبَاعُ حَتَّى يُفْصَلَ، وهَذَا صَرِيحٌ فِي اشْتِرَاطِ فَصْلِ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ فِي الْبَيْعِ ،
وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الذَّهَبُ الْمَبِيعُ بِهِ قَلِيلًا ، أَوْ كَثِيرًا ،
وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ بَيْعِ الْغَنَائِمِ وَغَيْرِهَا . انْتَهَى كَلَامُالنَّوَوِيِّ،
وقَالَ صَاحِبُ السُّبُلِ : وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى عِلَّةِ النَّهْيِ ،
وَهِيَ عَدَمُ الْفَصْلِ حَيْثُ قَالَ : لَا يُبَاعُ حَتَّى يُفْصَلَ ، وَظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ فِي الْمُسَاوِي ، وَغَيْرِهِ ،
فَالْحَقُّ مَعَ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ ،
ولَعَلَّ وَجْهَ حُكْمِ النَّهْيِ هُوَ سَدُّ الذَّرِيعَةِ إِلَى وُقُوعِ التَّفَاضُلِ فِي الْنوع الرِّبَوِيِّ ،
وَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِتَمْيِيزِهِ بِفَصْلٍ وَاخْتِيَارِ الْمُسَاوَاةِ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ
وَعَدَمِ الْكِفَايَةِ بِالظَّنِّ فِي التَّغْلِيبِ . انْتَهَى .