قَوْلُهُ : ( إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ )
أَيْ : إِذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي قَدْرِ الثَّمَنِ ، أَوْ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ ،
أَوْ فِي شَيْءٍ آخَرَ وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ ،
قَالَ فِي النَّيْلِ : لَمْ يَذْكُرِ الْأَمْرَ الَّذِي فِيهِ الِاخْتِلَافُ ،
وَحَذْفُ الْمُتَعَلِّقِ مُشْعِرٌ بِالتَّعْمِيمِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي
فَيَعُمُّ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ ، وفِي كُلِّ أَمْرٍ يَرْجِعُ إِلَيْهِمَا ،
وفِي سَائِرِ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ ،
وَالتَّصْرِيحُ بِالِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ
لَا يُنَافِي هَذَا الْعُمُومَ الْمُسْتَفَادَ مِنَ الْحَذْفِ . انْتَهَى .
( فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ ) أَيْ : مَعَ يَمِينِهِ
( وَالْمُبْتَاعُ ) أَيْ : الْمُشْتَرِي
( بِالْخِيَارِ ) أَيْ : إِنْ شَاءَ اخْتَارَ الْبَيْعَ وَرَضِيَ بِقَوْلِ الْبَائِعِ ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ ، أَوْ الْمَبِيعِ ،
أَوْ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ لِمَا عُرِفَ مِنَ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ :
أَنَّ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ ، كَذَا فِي سُبُلِ السَّلَامِ ،
قُلْتُ : يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ رِوَايَةُأَحْمَدَوَالنَّسَائِيِّعَنْأَبِيعُبَيْدَةَ :
وَأَتَاهُ رَجُلَانِ تَبَايَعَا سِلْعَةً فَقَالَ هَذَا أَخَذْتُ بِكَذَا وَكَذَا ، وَقَالَ هَذَا بِعْتُ بِكَذَا وَكَذَا ،
فَقَالَأَبُو عُبَيْدَةَ : أَتَىعَبْدُاللَّهِفِي مِثْلِ هَذَا فَقَالَ :
حَضَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِثْلِ هَذَا فَأَمَرَ بِالْبَائِعِ أَنْ يُسْتَحْلَفَ ،
ثُمَّ يُخَيَّرَ الْمُبْتَاعُ إِنْ شَاءَ أَخَذَ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ - التحالف عند اختلاف المتبايعين فى الثمن
قَوْلُهُ : ( وَ الْمُبْتَاعُ )
أَيْ : الْمُشْتَرِي ( بِالْخِيَارِ ) أَيْ : إِنْ شَاءَ أَخَذَ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ .
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ إِلَخْ )
وَأَخْرَجَهُأَحْمَدُ،وَأَبُو دَاوُدَ،وَالنَّسَائِيُّ،وَابْنُ مَاجَهْ، وَغَيْرُهُمْ ،
ورُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْعَبْدِ اللَّهِ بْنِمَسْعُودٍمِنْ طُرُقٍ بِأَلْفَاظٍ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ
( الْقَوْلُ مَا قَالَ رَبُّ السِّلْعَةِ ) أَيْ : الْبَائِعُ
( قَالَإِسْحَاقُكَمَا قَالَ ) أَيْ : أَحْمَدُ
(وَكُلُّ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ ) يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُأَحْمَدَوَالنَّسَائِيِّ
الَّتِي ذَكَرْنَا قَالَالشَّوْكَانِيُّ : قَدْ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ
إِذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعَقْدِ ،
و لَكِنْ مَعَ يَمِينِهِ كَمَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْآخِرَةِ ،
وهَذَا إِذَا لَمْ يَقَعْ التَّرَاضِي بَيْنَهُمَا عَلَى التَّرَادِّ ،
فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ جَازَ بِلَا خِلَافٍ فَلَا يَكُونُ لَهُمَا خَلَاصٌ عَنِ النِّزَاعِ
إِلَّا التَّفَاسُخَ ، أَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ ،
وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ بَقَاءِ الْمَبِيعِ وَتَلَفِهِ لِمَا عَرَفْتَ مِنْ عَدَمِ انْتِهَاضِ
الرِّوَايَةِ الْمُصَرَّحِ فِيهَا بِاشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْمَبِيعِ لِلِاحْتِجَاجِ ،
وَالتَّرَادُّ مَعَ التَّلَفِ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَرْجِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِثْلِ الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةِ الْقِيَمِيِّ
إِذَا تَقَرَّرَ لَكَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ الْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ ،
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ إِلَى الْعَمَلِ بِهِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الِاخْتِلَافِ أَحَدٌ فِيمَا أَعْلَمُ ،
بَلِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا طَوِيلًا عَلَى حَسَبِ مَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي الْفُرُوعِ ،
و وَقَعَ الِاتِّفَاقُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَالِاخْتِلَافُ فِي بَعْضٍ ،
وسَبَبُ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي مِنْ
قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ :
( الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ)
لِأَنَّهُ يَدُلُّ بِعُمُومِهِ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ،
والْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بَائِعًا وَالْآخَرُ مُشْتَرِيًا ، أَوْ لَا ،
وحَدِيثُ الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي
مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ مُدَّعِيًا ،
أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَبَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَتَعَارَضَانِ بِاعْتِبَارِ مَادَّةِ الِاتِّفَاقِ ،
وَهِيَ حَيْثُ يَكُونُ الْبَائِعُ مُدَّعِيًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُرْجَعَ فِي التَّرْجِيحِ إِلَى الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ ،
وحَدِيثُ : إِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ
يَعْنِي : صَاحِبَ الْمُنْتَقَى فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ إِلَىأَحْمَدَوَمُسْلِمٍ،
وَهُوَ أَيْضًا فِي صَحِيحِالْبُخَارِيِّفِي الرَّهْنِ ،
وفِي بَابِ : الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ . انْتَهَى بِقَدْرِ الْحَاجَةِ .