عندما ألقى الرئيس المنتخب في جنوب أفريقيا السيد مومنبيكي كلمته
في احتفالات انتقال الرئاسة من نيلسون مانديلا إليه .
قال جملة بليغة أعجبتني وأشدت بها عندما أستقبل وفد المملكة في بيته
" أرجو أن لا يقيّم الناس في جنوب أفريقيا بحجم أنوفهم"
وهو يرمز بذلك إلى الإعتقاد السائد بين الكثيرين من عامة الناس
بوجود فروق وراثية بين البيض والسود ،
وأن الشعوب البيضاء تتفوق وراثياً على الشعوب الصفراء أو السوداء .
هذه المقولة سيطرت ردحاً من الزمن على عقول بعض العلماء والباحثين
وغذتها نزعة استعمارية تنحو إلى الاعتقاد بتفوق الرجل الأبيض .
هتلر نفسه أصيب بصدمة نفسية وعصبية شديدة عندما فاز متسابق أسود
على أقرانه البيض في مباريات الأولمبياد التي عقدت في ألمانيا
في الثلاثينيات الميلادية .
فقد كانت العقيدة الراسخة لديه ولدى المحيطين به هي سيادة الشعب
الألماني على شعوب العالم ، وأن الأفارقة يأتون في آخر القائمة
من حيث الملكات والمواهب .
ومع بداية اختراع اختبارات الذكاء وجدت هناك فوارق بين الأطفال
ولكن سرعان ما أدرك الباحثون أن هذه الفوارق نجمت عن تأثير البيئية وليس الوراثة .
فالطفل الأفريقي الذي لم ير دمية بلاستيكية في حياته
يتعذر عليه أن يستدل عليها أو يعرفها .
وفي نهاية الستينات الميلادية ، كنت في مرحلة الدراسة في أمريكا .
وكان الحوار يومها على أشده بين مدرستين إحداهما تؤكد الفوارق
الوراثية بين الأجناس ، والأخرى تذهب إلى أنه إذا كانت هناك
فوارق فهي ترجع إلى العوامل البيئية بما في ذلك المناخ والغذاء والسكن
والآن يأتي القول الفصل بعد أن إكتملت خريطة الجينات البشرية أو تكاد .
وأتضح أن الخلية البشرية تحتوي على نحو مائة ألف مورث ( جينات )
تحدد فيما بينها خصائص الإنسان الوراثية .
ووجد من دراسة هذه المورثات أن لا علاقة بين الاستعدادات الفطرية
والمواهب والذكاء وبين كمية الميلانين التي تحدد لون البشرة والعينين
أقول هذا بمناسبة النزعات المتطرفة التي ترفع رأسها بين وقت وآخر ،
ويعلن فيها الإنسان لأخيه الإنسان ..
" أنا أفضل منك ، لأني أملك بشرة أو عينين أو لساناً أو هوية
غير التي تملك . ومن ثم فلي في هذه الحياة حقوقاً ليست لك .
أستطيع أن آخذها بالقوة والغلبة والقهر " .