عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 05-26-2013, 10:33 PM
adnan adnan غير متواجد حالياً
Administrator
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 13,481
افتراضي

وتغيرت الأحوال؛ فقد مات الخليفة،

وجاء خليفة آخر، فانتقل ابن حزم مع والده إلى غرب قرطبة بعيدًا عن الفتنة،

ومن يومها والمحن تلاحق ابن حزم، فالحياة لا تستقرُّ على حال،

فقد كشرت له عن أنيابها، وأذاقته من مرارة كأسها،

بعدما كانت له نعم الصديق،

واضطر(ابن حزم)إلى الخروج من قرطبة إلى (الـمَرِيَّة) سنة 404هـ

وبعدها عاش في ترحال مستمر بسبب السياسة واضطهاد الحكام له،

وكان ابن حزم واسع الاطلاع،

يقرأ الكثير من الكتب في كافة المجالات،

ساعده على ذلك ازدهار مكتبات قرطبة بالكتب المتنوعة،

واهتمام أهل الأندلس بالعلوم والآداب، واشتهر ابن حزم بعلمه الغزير،

وثقافته الواسعة،

فكان بحق موسوعة علمية أحاطت بالكثير

من المعارف التي كانت في عصره في تمكن وإحاطة.


قال عنه أحد العلماء (أبو عبد الله الحميدي):


[ كان ابن حزم حافظًا للحديث وفقهه، مستنبطًا للأحكام من الكتاب والسنة،

متفنِّنًا في علوم جمَّة عاملاً بعلمه، ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء،

وسرعة الحفظ، وكرم النفس والتدين ] ..


وبعد أن بلغ ابن حزم رتبة الاجتهاد في الأحكام الشرعية،

طالب بضرورة الأخذ بظاهر النصوص في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف،

وكان ابن حزم متنوع الكتابات، كتب في علوم القرآن والحديث،

والفقه والأديان، والرد على اليهود والنصارى، والمنطق..

وغيرها من العلوم،


قال عنه أحد المؤرخين:


[ كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام،

وأوسعهم معرفة مع توسعه في علم اللسان (أي علوم اللغة) وزيادة حظه

من البلاغة والشعر والمعرفة بالسير والأخبار وقد بلغ ما كتبه ] ..


ابن حزم أربعمائة مجلد،

تشتمل على ثمانين ألف ورقة تقريبًا،


كما قال ابنه الفضل.. يقول عنه الإمام (أبو حامد الغزالي):


[ وجدت في أسماء الله تعالى كتابًا ألفه (ابن حزم الأندلسي)

يدل على عظيم حفظه وسيلان ذهنه ] .


شغل ابن حزم منصب الوزارة ثلاث مرات،

وكان وفيًّا للبيت الأموي الحاكم في الأندلس، ومواليًا لهم،

يعمل على إعادة الخلافة للدولة الأموية، ويرى أحقيتها في الخلافة،

وبسبب ذلك كان يعرِّض نفسه للأسر أو السجن أو النفي،

وقد دبر له خصومه المكائد، وأوقعوا بينه وبين السلطان حسدًا وحقدًا عليه،

حتى أحرقت كتبه في عهد (المعتضد بن عباد)


فقال ابن حزم في ذلك:


[ فإن تحرقوا القِرْطاس لا تَحْرِقُوا الذي تضمَّنه القرطاسُ

بَلْ هُوَ فِي صَدْرِي يَسِيُر مَعِـــي

حَيْثُ اسْتَقَلتْ رَكَائبــي وَيَنْزِلُ إِنْ أنزل وُيدْفن في قبــــري ]


وقد منح الله ابن حزم ذاكرة قوية وبديهة حاضرة،

فكان متواضعًا لله، شاكرًا له،


يقول في ذلك:


[ وإن أعجبت بعلمك فاعلم أنه لا خصلة لك فيه،

وأنه موهبة من الله مجردة، وَهَبَكَ إياها ربُّك تعالى، فلا تقابلها بما يسخطه،

فلعله ينسيك ذلك بعلة يمتحنك بها، تولد عليك نسيان ما علمتَ وحفظتَ ] .


وكان عزيز النفس،

واثق الكلمة أمام خصومه وأعدائه، لا ينافق الحكام،

ويرفض قبول هداياهم حتى لو سبب له ذلك الكثير من المتاعب،

وكانت صفة الوفاء ملازمة له،

فكان وفيًّا لدينه وإخوانه وشيوخه، ولكل من اتصل به.

وتفرغ ابن حزم للتأليف؛ فأخرج كتبًا كثيرة،

مثل: (المحلَّى) في الفقه

و(الفصل بين أهل الآراء والنحل)

و(الإحكام في أصول الأحكام)

و(جمهرة أنْسَاب العرب)

و(جوامع السير)

و(الرد على من قال بالتقليد)

و(شرح أحاديث الموطأ)

كما يعد كتاب (طوق الحمامة) من أشهر كتبه،

وفيه الكثير من الشعر الذي قاله في مختلف المناسبات .

وعاش هذا الفقيه في محراب العلم، يتصدى للظلم والجهل،

ويجاهد مع ذلك هوى نفسه،

وبعد حياة حافلة بالكفاح والعلم والصبر على الإيذاء،

لقي ابن حزم ربه في الثامن والعشرين من شعبان سنة 564 هـ

عن عمر يقارب إحدى وسبعين سنة،

ويقف (أبو يوسف يعقوب المنصور) ثالث خلفاء دولة

الموحدين أمام قبره خاشعًا ولم يتمالك نفسه،

فيقول: كل الناس عيال على ابن حزم.


موسوعة الأسرة المسلمة

جزأكم الله عنا كل خير في الله
أخوكم/ مصطفى الحمد

رد مع اقتباس