قَوْلُهُ : ( وَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ                    أَهْلِ الْعِلْمِ وَ بِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَ إِسْحَاقُ)
قَالَ الْقَارِي قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ : الْعَمَلُ عَلَى هَذَا                    
يَعْنِي : عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَالْمَذْكُورِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ                    أَنَّهُ لَا يَجُوزُ 
أَنْ يَحْلِبَ مَاشِيَةَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنٍ                    إِلَّا إِذَا اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ ،                    
وَيَضْمَنُ ، وَقِيلَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ                    الشَّرْعَ أَبَاحَهُ لَهُ ، 
وذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَغَيْرُهُمَا إِلَى                    إِبَاحَتِهِ لِغَيْرِ الْمُضْطَرِّ أَيْضًا                    
إِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَالِكُ                    حَاضِرًا . 
فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَلَبَ لِرَسُولِ اللَّهِ                    صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 
لَبَنًا مِنْ غَنَمِ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ يَرْعَاهَا عَبْدٌ لَهُ ، 
وَصَاحِبُهَا غَائِبٌ فِي هِجْرَتِهِ إِلَى                    الْمَدِينَةِ، 
ولِمَا رَوَىالْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ                    قَالَ : 
(إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى                    مَاشِيَةٍ) . الْحَدِيثَ ، 
وقَدْ رَخَّصَ بَعْضُهُمْ لِابْنِ السَّبِيلِ فِي                    أَكْلِ ثِمَارِ الْغَيْرِ ، 
و لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ                    
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ                    قَالَ :
(مَنْ دَخَلَ حَائِطًا لِيَأْكُلَ غَيْرَ مُتَّخِذٍ                    خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)
وَعِنْدَ أَكْثَرِهِمْ لَا يُبَاحُ إِلَّا بِإِذْنِ                    الْمَالِكِ إِلَّا بِضَرُورَةِ مَجَاعَةٍ كَمَا سَبَقَ ،                    
قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ : وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى                    الْمَجَاعَةِ وَالضَّرُورَةِ ؛ 
لِأَنَّهَا لَا تُقَاوِمُ النُّصُوصَ الَّتِي                    وَرَدَتْ فِي تَحْرِيمِ مَالِ الْمُسْلِمِ . انْتَهَى ،                    
وقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ تَحْتَ                    حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَالْمَذْكُورِ 
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يَأْخُذَ                    الْمُسْلِمُ من الْمُسْلِمِ 
شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِهِ ، وَإِنَّمَا خُصَّ                    اللَّبَنُ بِالذِّكْرِ لِتَسَاهُلِ النَّاسِ فِيهِ ،                    
فَنَبَّهَ عَلَى مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ ، وبِهَذَا                    أَخَذَ الْجُمْهُورُ ، 
لَكِنْ سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنٍ خَاصٍّ أَوْ إِذْنٍ                    عَامٍّ ، 
واسْتَثْنَى كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ مَا إِذَا عَلِمَ                    بِطِيبِ نَفْسِ صَاحِبِهِ ، 
وَإِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ إِذْنٌ خَاصٌّ ، وَلَا                    عَامٌّ ، 
وذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا                    فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِطِيبِ نَفْسِهِ ،                    أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ، 
وَالْحُجَّةُ لَهُمْ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ،وَالتِّرْمِذِيُّ، 
وَ صَحَّحَهُ مِنْ رِوَايَةِالْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا :
(إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى                    مَاشِيَةٍ)الْحَدِيثَ ، 
وأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ أَصَحُّ                    وَأَوْلَى أَنْ يُعْمَلَ بِهِ 
وَبِأَنَّهُ مُعَارِضٌ لِلْقَوَاعِدِ الْقَطْعِيَّةِ                    فِي تَحْرِيمِ مَالِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَلَا                    يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ ، 
ومِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ                    بِوُجُوهٍ مِنَ الْجَمْعِ . 
مِنْهَا - حَمْلُ الْإِذْنِ عَلَى مَا إِذَا عَلِمَ                    طِيبَ نَفْسِ صَاحِبِهِ ، وَالنَّهْيُ عَلَى مَا إِذَا لَمْ                    يَعْلَمْ ،
وَمِنْهَا - تَخْصِيصُ الْإِذْنِ بِابْنِ السَّبِيلِ                    دُونَ غَيْرِهِ ، أَوْ بِالْمُضْطَرِّ ،                    
أَوْ بِحَالِ الْمَجَاعَةِ مُطْلَقًا ، وَهِيَ                    مُتَقَارِبَةٌ ، 
ومِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَلَى مَا                    إِذَا كَانَ الْمَالِكُ أَحْوَجَ مِنَ الْمَارِّ .