عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 06-04-2013, 12:28 PM
بنت الاسلام بنت الاسلام غير متواجد حالياً
Moderator
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 3,019
افتراضي

وفي اليوم ذاته أرسلت ابنة الشَّيخ وهي من أهل جدَّة – فيما أذكر –
كبد الشَّاة الَّتي ذبحها ، فأطعمنا منها بيده وشرب من مرقها وكان يحبُّه .
وفي أيَّام التَّشريق كان الشَّيخ يصلِّي بنا ويدرس بعد الفجر ،
ويبقى في درسه حتَّى يرى بعض الرُّؤوس تتطأطأ ، فهنا يوقف درسه
ويتَّجه إلى خيمته الخاصَّة ، وكنت أجلس بجانبه أستمع لدروسه وفوائده ،
ثمَّ بعد ذلك يُؤذن لنا بدخول الخيمة الخاصَّة أنا وأخي جمال
إذ أصبحنا من خاصَّته ، ويتوافد عليه الكثير ممَّن سمع بالشَّيخ من الدَّكاترة
والمشايخ وأهل العلم ، فكانت لقاءات ومناقشات داخل خيمته ولا يؤذن
إلاَّ للبعض ، أمَّا أنا وجمال فلم نكن نحتاج إلى إذن ،
خاصَّة أنَّنا بقينا مع الشَّيخ من اليوم الثَّامن ، فَعَرَفَنَا – جزاه الله خيرًا - ،
وعرفنا من كان يقوم على خدمته أمثال أبي ليلي الَّذي كان كالحاجب
إلاَّ أنَّه يُغلب على أمره من كثرة الزُّوار ، حتَّى قال له الشَّيخ مرَّةً :
إنَّا وضعناك حاجب النَّاس ، لكن لم تقدر على ذلك أو كلمةً نحوها ،
ويسأل أين الحاج من كثرة الزِّحام عليه فلا يكاد يتخلَّص منهم
إلاَّ بعد عناءٍ ومشقَّةٍ .
بل طلب منِّــي أبو ليلى مساعدته في خدمة الشَّيخ ، وكنت سعيدًا جدًّا بذلك ،
حيث جلست عن يسار الشَّيخ وأبو ليلى عن يمينه ،
فيقبض بيدي وأقبض بيده والشَّيخ متَّكئ على ساعدي وساعده ،
ويحدث النَّاس ويجيب عن أسئلتهم واستفساراتهم ، فيبقى الوقت الطَّويل
على ذلك ، كنت أحسُّ بثقل في ساعدي ويدي لكن لم أتمكَّن من إظهار ذلك
احترامًا للشَّيخ وتقديرًا له .
ومرَّت الأيَّام الثَّلاثة على ذلك ، دروس بعد الفجر لأهل الحملة ،
حتَّى إذا شَعَرَ الشَّيخ أنَّ بتعب جلسائه وحاجتهم إلى النَّوم ،
استأذن ودخل خيمته ، فأفاد فيها من يأتيه من الزُّوَّار
وأذكر في هذه الأيَّام أنِّي رأيت عجبًا من حلم الشَّيخ وصبره ،
إذ أتاه رجل كبير السِّنِّ عليه مظاهر البداوة أمسك الشَّيخ من ثوبه ليسأله ،
فتلطَّف الشَّيخ معه وقال له : اصبر عليَّ فالله ابتلاك بي ،
ثمَّ أجابه عن سؤاله ، فذكَّرني بما كان عليه النَّبــي صلَّى الله عليه وسلَّم
من حلم وأناة وصبر على جفاة الأعراب.
فتلك المواقف لا يمكن للإنسان نسيانها ، بل ينسى نفسه ليبقى فترة أطول
يستفيد من علم الشَّيخ وسمته ، وهذا حصل لي ولأخي جمال ،
فلم نستطيع في تلك الأيَّام مغادرة المكان حتَّى لا يفوتنا شيء ،
فبقينا بإحرامنا ونحن حلال لِبُعْدِ المسافة الَّتي ظنَّ بعض من رآنا كذلك
أنَّ للشَّيخ فتوى في البقاء على الإحرام أيَّام التَّشريق ،
فبيَّنا لهم أن الأمر غير ذلك .
انتهت أيَّام التَّشريق فعاد الشَّيخ إلى بيت ابنته بجدَّة ،
فما كان منَّا إلاَّ أن طفنا طواف الوداع ، واتَّجهنا نحو جدَّة فالتقينا مرَّة أخرى
في المسجد ، فتعجَّب رحمه الله من صنيعنا وسلَّم علينا ودعا لنا جزاه الله
عنَّا وعن المسلمين خير الجزاء على ما قدَّم .
المصدر: العدد الواحد والثَّلاثون من مجلَّة الإصلاح السَّلفية – الجزائر

رد مع اقتباس