دعا الله عز وجل عباده إلى التدبر فيما أنزله إليهم من آيات كتابه
العزيز بصور متعددة فبين أن هذا التدبر هو المقصود بإنزال القرآن
{ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ }
وأنكر على من أعرض عن تدبره ,
{ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ }
وأوجب التدبر كما قال الشوكاني بدلالة
{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا
{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرءان أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }
وإذا كان ما سبق يدل على أهمية التدبر من جهة الشرع فقد دل العقل
على ذلك أيضاً فمن لوازم استخلاف الله عز وجل بني آدم في الأرض.
{ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً }
أن يبين لمن استخلفهم منهجاً بيناً واضحاً يؤدون به حق الخلافة
على الوجه الذي يرضيه . وقد كان هذا يتم بما يوحيه إلى أنبيائه من
الشرائع عبر الزمان فلما آلت الخلافة لهذه الأمة الخاتم وأنزل عليها
هذا الكتاب العظيم الذي لا كتاب بعده , كان لا بد أن يحوي بين دفتيه
ولكي تتعرف الأمة على تفاصيل هذا المنهج فلا بد لها من تدبر آياته
كما قال العلامة السعدي رحمه الله :
( التأمل في معانيه ، وتحديق الفكر فيه وفي مبادئه وعواقبه ولوازم
أي : ولوازم ذلك من العمل والاتباع .
إن المتأمل في حال المسلمين مع كتاب الله اليوم لا تخطئ عينه ما
يُرى من إقبال أعداد كبيرة منهم رجالاً ونساءً صغاراً وكباراً على
كتاب الله عز وجل بالتلاوة والحفظ .
فجمعيات التحفيظ منتشرة في طول البلاد وعرضها والمساجد تمتلئ
بحلق التلاوة والتحفيظ ودورات التحفيظ تخرج كل عام العشرات
والمئات من الحفاظ حتى قيل إن هذا العصر هو العصر الذهبي لحفظ
وهذا بكل تأكيد مما يثلج الصدور لأنه يدل على حرص الأمة
بمجموعها على كتاب ربها عز وجل . وحرصها على تحصيل الأجر
العظيم الذي وعد الله به عباده التالين لكتابه والحافظين .
إلا أن المؤسف أن هذا الإقبال على التلاوة والحفظ لا يصحبه إقبال
يماثله أو يقرب منه في باب التدبر والفهم ، حتى صرنا نرى من يتم
حفظ كتاب الله عز وجل ولا يعرف معنى كلمات من أوائل السور التي
وقد سجل أحد المسؤولين عن حلقات التحفيظ ملاحظات عديدة في
هذا المجال كان منها قوله :
( ظهر لي عدم تدبر أكثر الطلاب لقراءة القرآن الكريم من خلال عدم
مراعاتهم للوقف والابتداء أثناء تسميعي لهم في الحلقات أو في
الاختبارات والمسابقات فيقف الطالب وقفاً عجيباً ويبتدئ ابتداءً
غريباً يدل على عدم التدبر والتأمل )
إن هذه الحال مخالفة للحال التي أمر الله عز وجل بقراءة القرآن عليها فقوله تعالى :
{ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا }
( فإنه يكون عوناً على فهم القرآن وتدبره )
فجعل الفهم والتدبر علة للأمر بقراءته مرتلاً وقال الشوكاني :
(أي : اقرأه على مهل مع تدبر)
فجعل التدبر داخلاً في معنى الترتيل .