و أشهد أن لا إله إلا الهه وحده لا شريك له 
 
 
أمرنا بتقواه في الحضر و السفر ، 
 
 
و أشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله و رسوله 
 
 
الشافع المشفع في المحشر، 
 
 
صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله السادة الغرر ، 
 
 
و التابعين و من تبعهم بإحسان و سلم تسليماً كثيراً .
 
 
 
 
 
 
فيا عباد الله
 
 
 
خيرُ الوصايا الوصيّة بتقوى ربِّ البرايا ، 
 
 
فتقواه سبحانه أنفع الذخائر للمسلم و أبقاها ، و آكدُ المطاب و أقواها ، 
 
 
في قفوها منازلُ الحقّ و التوفيق ، و في التزامها الاهتداء إلى الرأي الثاقبِ الوثيق ،
 
 
 
فاتقوا الله رحمكم الله
 
 
 
في كلّ أحوالكم ، في حلّكم و ارتحالكم، 
 
 
و ظعنِكم و انتقالكم ، و مَن تنكّب سواء التقوى انقلب خاسئًا و هو حسير ،
 
 
فلبئس المولى و لبئس العشير.
 
 
 
أيها المسلمون : 
 
 
 
ما أكثر ما يسافر الناس لشؤون حياتهم ! مادية أو معنوية ،
 
 
و لقد سافر رسول الله صلى الله عليه و سلم مرات و مرات ،
 
 
إبّان شبابه قبل البعثة جهاد و تجارة ، و بعد نبوته ما بين حج و عمرة .
 
 
و السفر غالباً يعري الإنسان من الأقنعة التي كانت تحجب طبيعته ،
 
 
و ما سمي السفر سفرا إلا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال ، و لذا فإن السياحة في الأرض ,
 
 
و التأمل في عجائب المخلوقات ، مما يزيد العبد معرفة بربه ـ عز و جل ـ ،
 
 
و يقينا بأن لهذا الكون مدبرا ، لا رب غيره و لا معبود بحق سواه .
 
 
فالمسافر يتأمل ثم يتدبر ثم يخشى ، 
 
 
كل ذلك حينما يرى عجيب صنع الله و عظيم قدرته
 
 
 
{ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْء إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } 
 
 
 
[ النمل : 88 ] . 
 
 
 
و لقد أنكر الله ـ سبحانه ـ على من فقد هذا الإحساس المرهف
 
 
 
بقوله تعالى
 
 
 
{ وَكَأَيّن مِن ءايَةٍ فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } 
 
 
 
[ يوسف : 105 ] .
 
 
 
السفر عباد الله 
 
 
 
معترى بحالتين اثنتين : حالة مدح و حالة ذم ؛
 
 
فالخروج من الملل و السآمة و الضيق و الكآبة من الناس و المكان للتأمل في خلق الله ،
 
 
أو طلب علم نافع ، أو صلة قريب أو أخ في الله هو سمة السفر الممدوح ،
 
 
و هو مذموم أيضا ، من جهة كونه محلا للمشاق و المتاعب ؛ 
 
 
لأن القلب يكون مشوشا و الفكر مشغولا من أجل فراق الأهل و الأحباب ؛
 
 
 
و لذا قال فيه النبي صلى الله عليه و سلم : 
 
 
 
( السفر قطعة من العذاب ، يمنع أحدكم طعامه و شرابه و نومه ، 
 
 
فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله )
 
 
 
[ رواه البخاري و مسلم يرحمهما الله ] .
 
 
 
و المراد بالعذاب يا عباد الله
 
 
 
الألم الناشئ عن المشقة ، لما يحصل في الركوب و السير من ترك المألوف .
 
 
و لقد ذهب بعض أهل العلم كالخطابي و غيره ، إلى أن تغريب الزاني ،
 
 
إنما هو من باب الأمر بتعذيبه ـ و السفر من جملة العذاب ـ 
 
 
و لقد سئل فضيلة إمام الحرمين : لم كان السفر قطعة من العذاب ؟ 
 
 
فأجاب على الفور : لأن فيه فرقة الأحباب .
 
 
 
إخوةَ العقيدة
 
 
 
إنّ السفر الذي احتُسب فيه الأجر و الثواب و حُرِص فيه على الطاعة
 
 
لهو بحقّ روضة للعقول , و بلوغ للأنس المأمول ، و هو مَجْلاة للسّأمة ،
 
 
و بُعدٌ عن الرّتابة و النمطيّة ، و فضاءٌ رحب للاعتبار و الادكار ،
 
 
 
{ قُلْ سِيرُواْ فِى ٱلأرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ } 
 
 
 
[ العنكبوت : 20 ] .
 
 
 
إبّان السفر تتجلّى عظمة الخالق البارئ سبحانه ، 
 
 
فتخشعُ له القلوب أمام بديع السموات و الأرض ، أمامَ بديع خلقِ الطبيعة الخلاّبة , 
 
 
و تسبّحه الروح لمفاتنها الأخّاذة الجذّابة ، أراضٍ شاسعةٌ فسيحة ، 
 
 
أنبتت أجملَ زهر بأطيب ريح ،
 
 
 
{ أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ ٱلسَّمَاء مَاء 
 
 
فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ } 
 
 
 
[ النمل : 60 ] ، 
 
 
 
{ أَمَّن جَعَلَ ٱلأرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَارًا 
 
 
وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءلـٰهٌ مَّعَ ٱللهِ } 
 
 
 
[ النمل : 61 ] .
 
 
 
 
فسبحان الله عباد الله
 
 
 
مشاهدُ في الطبيعة ذائعة ، و مخلوقات بديعة تدهِش الألباب ، 
 
 
و في إتقانها العجب العجاب ، تفعِم النفسَ و القلب مسرّة و ابتهاجًا ، 
 
 
لكن شريطةَ أن تكونَ على ممسٍّ من القلب و الروح و الفكر . 
 
 
و سبحانَ الله ، كم يغلب على كثير من الناس أن يمرّوا بهذه المناظر 
 
 
و كأنهم إزاءَها دونَ نواظر ،
 
 
 
{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ ءاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا
 
 
فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأبْصَـٰرُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ } 
 
 
 
[ الحج : 46 ] .