نداء بعدم الإسراف
حذر الصندوق العالمي للبيئة من مستقبل بيئي قاتم ينتظر سكان
كوكب الأرض ، بسبب استهلاك البشر للموارد بسرعة تفوق بكثير
قدرة الكوكب على تعويضها ، وسط اتساع رقعة التصحر وتزايد في
أعداد الأنواع المهددة بالانقراض . وقال التقرير الذي يتناول وضع
البيئة عالمياً ، إنه بحلول العام 2050، سيكون معدل استهلاك سكان
الأرض للموارد أعلى بمرتين من قدرة الكوكب على التجديد ، الأمر
الذي يهدد بكوارث بيئية ومجاعات ما لم يتم الحد بشكل صارم من
الاستهلاك .
ولجأ التقرير إلى قياس مساحة الأرض اللازمة للفرد لتأمين غذاءه،
والتخلص من نفاياته ، فوجد أن المساحة قد زادت بمقدار ثلاثة
أضعاف في الفترة الممتدة بين العامين 1961 و 2003 .
وسجلت أعلى معدلات استهلاك الفرد من موارد الأرض في دولة
الإمارات العربية المتحدة وفي الولايات المتحدة الأمريكية .
وحل خلفهما فنلندا وكندا والكويت والنمسا وأستونيا والسويد
ونيوزيلندا والنروج ، بينما جاءت الصين في المرتبة 69 ، رغم أن
التقرير يشير إلى أن أسلوب تعاطي الصين مستقبلاً مع الموارد
الطبيعية سيحدد بشكل كبير مستقبل الأرض بسبب نموها الهائل
المستمر . الوكالة نقلت عن مدير الصندوق العالمي للبيئة جيمس
لياب قوله إن معدلات الاستهلاك الحالية كبيرة جداً ، لدرجة أن
ثروات الغابات والبحار ستختفي تماماً في فترة قريبة .
المحيطات لم تعد قادرة على استيعاب التلوث
قال العلماء إن كمية غازات ثاني أكسيد الكربون التي تمتصها
المحيطات في العالم قد قلت . وأخذ باحثون من جامعة إيست أنجليا
أكثر من 90 ألف قياس بفضل سفن تجارية مزودة بأجهزة إلكترونية
لتحديد كمية ثاني أكسيد الكربون التي امتصتها المحيطات . وأظهرت
نتائج الدراسة التي أنجزها فريق البحث على مدى عشر سنوات في
شمال المحيط الأطلسي أن كمية ثاني أكسيد الكربون التي امتصها
المحيط قلت بنسبة النصف ما بين أواسط التسعينيات من القرن
الماضي وعام 2005 .
ويعتقد العلماء أن ارتفاع درجة حرارة الأرض يزداد سوءاً في حال
امتصاص المحيطات كميات أقل من الغازات المسببة للاحتباس
الحراري . وقال الباحثون إن نتائج أبحاثهم التي نُشرت في مجلة
" جيوفيزكال ريسرتش " العلمية كانت مفاجئة ومقلقة في الوقت
ذاته لأنه كانت هناك أسباب تدعو للاعتقاد أن عامل الزمن من شأنه
جعل المحيطات مُشبعة بالانبعاثات الغازية .
ويقول محلل بي بي سي لشؤون البيئة روجر هارابين :
الباحثون لا يعرفون ما إن كان التغير الحاصل ناتج عن التغير
المناخي أو يُعزى إلى تغيرات أخرى تحدث في الطبيعة . غير أن
الباحثين يقولون إنها ( نتائج أبحاثهم ) مثلت مفاجأة كبرى ومصدر
قلق لهم بسبب وجود ما يدعو إلى الاعتقاد أنه مع مرور الوقت ، فإن
المحيط قد يصبح " مُشبعا " بانبعاثاتنا أي أنه غير قادر على
امتصاص كميات إضافية .
إن هذا الوضع سيجعل الانبعاثات التي نتسبب فيها ترفع درجة حرارة
الجو . ولا يبقى من غازات ثاني أكسيد الكربون المنبعثة إلى الجو
سوى نصف الكمية ، بينما يتحول النصف الآخر إلى ترسبات فحمية.
تحذيرات مستمرة
تقول جماعات تعمل في مجال البيئة والإغاثة إن تأثير انبعاث
الغازات الضارة قد يعوق محاولات تحسين أحوال أكثر الناس فقراً
ويحدّ من التقدم والتنمية البشرية . ويدعو تقرير أصدره ائتلاف من
وكالات البيئة والإغاثة إلى اتخاذ إجراء عاجل لتفادي هذا التهديد .
وتقول مجموعة العمل الخاصة بالتغير المناخي والتنمية انه يتعين
على الدول الصناعية الحد من انبعاثات الكربون بنسبة كبيرة بحلول
منتصف القرن الحالي . وترى المجموعة انه يتعين على هذه الدول
أيضاً مساعدة الدول النامية على التكيف مع التغير المناخي .
ويقول التقرير الذي أصدره ائتلاف الوكالات البيئية إن ظاهرة
الاحتباس الحراري تهدد بعدم إدراك أهداف التنمية الألفية التي اتفق
عليها دوليا لتقليل نسبة الفقر في العالم إلى النصف بحلول عام
2015 . ويقول التقرير إن الاحتباس الحراري يمكن أن يعوق حتى
تحقيق انجازات في التنمية البشرية .
من أكثر الأمور اللافتة التي تمثل باعثاً كبيراً للقلق هي الصلة بين
التغير المناخي وانتشار الفقر على نطاق واسع في العالم . وكما
يشير تقرير التقييم الثالث للجنة الحكومات الخاصة بالتغير المناخي
فان آثار التغير المناخي ستقع بشكل متفاوت على الدول النامية
والفقراء في جميع الدول .
وقال اندرو سيمس الذي كتب التقرير إن آلاف الناس يبذلون
جهوداً حثيثة للقضاء على الفقر لكن ظاهرة الاحتباس الحراري يتم
تجاهلها بشدة . ولإنقاذ الموقف نحتاج إلى وضع إطار عمل عالمي
يعتمد على المساواة لوقف التغير المناخي ويتعين علينا أن نضمن
أن تكون خطط التنمية البشرية صديقة للمناخ .
ويقول الائتلاف إنه يجب الأخذ في الاعتبار عند مساعدة الدول
النامية على التكيف مع التغير المناخي أن الإعانات التي تقدمها
الدولة الغنية لصناعاتها التي تعتمد على الوقود الأحفوري بلغت 73
مليار دولار في السنة في نهاية التسعينات . ويرى الائتلاف انه
يتعين على الدول الصناعية الحد من انبعاثات الغازات الضارة بنسبة
اقل من مستوياتها عام 1990 بما يتراوح بين 60 إلى 80 بالمئة
لوقف خروج التغير المناخي عن السيطرة . ويقول التقرير إن
الإنسانية ليس لها أي خيار في ظل مواجهة التحديات الناجمة عن
المستويات الكبيرة للفقر وظاهرة الاحتباس الحراري .
كيف نقرأ هذه التقارير كمسلمين ؟
الحقيقة مرة دائماً كما يقول المثل الشعبي ، ولكن المؤمن كلّ شأنه
خير، إذا ابتُلي فصبر فكان خيراً له ، وإذا أصابه خير شكر فكان خيراً
له ، هذا ما أخبر به النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم .
(عجبًا لأمرِ المؤمنِ . إن أمرَه كلَّه خيرٌ . وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ .
إن أصابته سراءُ شكرَ . فكان خيرًا له . وإن أصابته ضراءُ صبر .
فكان خيرًا له )
صحيح مسلم
فالأرض مقبلة على كارثة حقيقية بما صنعت أيدي الناس .
واليوم يستغيث الباحثون لإيجاد مخرج من هذه الأزمة بالتقليل من
التلوث ، وآخرون ينادون بعدم الإسراف والرفاهية ، وجميع هذه
التحذيرات جاءت في القرآن قبل أربعة عشر قرناً من وقوع الكارثة !
فالله عز وجل حذَّرنا في آية عظيمة تحدث فيها عن الفساد في البر
والبحر وضرورة الرجوع لكتاب الله والالتزام بمنهج الإسلام لأنه
أفضل منهج على الإطلاق ، يقول تعالى :
} ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ
الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{
[ الروم : 41 ]
وقد رأينا آخر التقارير الصادرة حول البيئة تؤكد أن الناس هم من
لوَّث وأفسد مناخ الأرض ، وهناك أمل في علاج هذه الظاهرة بشرط
عدم الإسراف في الرفاهية .
وهذا الشرط الذي يضعه العلماء كمقدمة للعلاج ، قد جاء به القرآن
أيضاً ، يقول تعالى :
} وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ{
[ الأعراف : 31 ]
وهناك الكثير من الآيات تؤكد على تحريم الإسراف ، يقول تعالى
على لسان سيدنا صالح عليه السلام :
} وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ{
[ الشعراء : 151-152 ]
وقد جعل الله عدم الإسراف من أعمال المؤمنين الذين يبدل الله
سيئاتهم حسنات ، يقول تعالى :
} وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا{
[ الفرقان : 67 ]
وينبغي أن نُظهر للعالم تعاليم كتابنا الكريم وأن الناس لو التزموا
بهذه التعاليم لما وصل العالم إلى هذه الدرجة من التدهور البيئي ،
وهنا نتذكر قوله تعالى :
} وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ
أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ
أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ{
[ الأعراف : 96 - 99 ]