( ممَا جَاءَ فِي : كَرَاهِيَةِ النَّجْشِ فِي الْبُيُوعِ )
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ رضى الله تعالى عنهم
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله تعالى عنه قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَ قَالَ قُتَيْبَةُ رضى الله تعالى عنه يَبْلُغُ بِهِ
عن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ أنه قَالَ
قَالَ وَفِي الْبَاب عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ رضى الله تعالى عنهم
قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَرِهُوا النَّجْشَ
قَالَ أَبُو عِيسَى وَالنَّجْشُ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ الَّذِي يَفْصِلُ السِّلْعَةَ إِلَى صَاحِبِ السِّلْعَةِ
فَيَسْتَامُ بِأَكْثَرَ مِمَّا تَسْوَى وَذَلِكَ عِنْدَمَا يَحْضُرُهُ الْمُشْتَرِي يُرِيدُ أَنْ يَغْتَرَّ الْمُشْتَرِي بِهِ
وَلَيْسَ مِنْ رَأْيِهِ الشِّرَاءُ إِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَخْدَعَ الْمُشْتَرِيَ بِمَا يَسْتَامُ
وَهَذَا ضَرْبٌ مِنْ الْخَدِيعَةِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ نَجَشَ رَجَلٌ فَالنَّاجِشُ آثِمٌ فِيمَا يَصْنَعُ
وَالْبَيْعُ جَائِزٌ لِأَنَّ الْبَائِعَ غَيْرُ النَّاجِشِ .
قَالَ فِي النِّهَايَةِ : هُوَ أَنْ يَمْدَحَ السِّلْعَةَ لِيُنَفِّقَهَا وَيُرَوِّجَهَا ،
أَوْ يَزِيدَ فِي ثَمَنِهَا ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا لِيَقَعَ غَيْرُهُ فِيهَا ،
والْأَصْلُ فِيهِ تَنْفِيرُ الْوَحْشِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ . انْتَهَى ،
وقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : النَّجْشُ- بيع النجش - :
بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ ،
وَهُوَ فِي اللُّغَةِ تَنْفِيرُ الصَّيْدِ وَاسْتِثَارَتُهُ مِنْ مَكَانِهِ لِيُصَادَ ،
يُقَالُ نَجَشْتُ الصَّيْدَ أَنْجُشُهُ بِالضَّمِّ نَجْشًا ، وفِي الشَّرْعِ الزِّيَادَةُ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ
مِمَّنْ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا لِيَقَعَ غَيْرُهُ فِيهَا ، سُمِّيَ بِذَلِكَ ؛
لِأَنَّ النَّاجِشَ يُثِيرُ الرَّغْبَةَ فِي السِّلْعَةِ وَيَقَعُ ذَلِكَ بِمُوَاطَأَةِ الْبَائِعِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي الْإِثْمِ
وَيَقَعُ ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمِ الْبَائِعِ فَيَخْتَصُّ بِذَلِكَ النَّاجِشُ ،
وَقَدْ يَخْتَصُّ بِهِ الْبَائِعُ كَمَنْ يُخْبِرُ بِأَنَّهُ اشْتَرَى سِلْعَةً بِأَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهَا بِهِ
لِيَغُرَّ غَيْرَهُ بِذَلِكَ ،
وقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : النَّجْشُ الْخَتْلُ وَالْخَدِيعَةُ ،
وَمِنْهُ قِيلَ لِلصَّائِدِ نَاجِشٌ ؛ لِأَنَّهُ يَخْتِلُ الصَّيْدَ ، وَيَحْتَالُ لَهُ . انْتَهَى .
قَوْلُهُ : ( قَالَ : لَا تَنَاجَشُوا )
قَالَ الْحَافِظُ ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ التَّفَاعُلِ ؛
لِأَنَّ التَّاجِرَ إِذَا فَعَلَ لِصَاحِبِهِ ذَلِكَ كَانَ بِصَدَدِ أَنْ يَفْعَلَ لَهُ مِثْلَهُ . انْتَهَى .
قَوْلُهُ : ( و فِي الْبَابِ عَنِابْنِ عُمَرَ)
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ،وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِ : نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّجْشِ
(وَأَنَسٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ
( حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
(فَيَسْتَامُ بِأَكْثَرَ مِمَّا تَسْوَى ) أَيْ : بِأَكْثَرَ مِمَّا تُسَاوِيهِ السِّلْعَةُ يَعْنِي :
يَسْتَامُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ السِّلْعَةِ ،
قَالَ فِي الْقَامُوسِ : وَهُوَ لَا يُسَاوِي شَيْئًا ، وَلَا يَسْوَى كَيَرْضَى . انْتَهَى .
قَوْلُهُ : ( قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَ إِنْ نَجَشَ رَجُلٌ فَالنَّاجِشُ آثِمٌ فِيمَا يَصْنَعُ
وَ الْبَيْعُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ غَيْرُ النَّاجِشِ )
قَالَهُ ابْنُ بَطَّالٍ : أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ النَّاجِشَ عَاصٍ بِفِعْلِهِ ،
واخْتَلَفُوا فِي الْبَيْعِ إِذَا وَقَعَ عَلَى ذَلِكَ ،
وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِعَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَسَادَ ذَلِكَ الْبَيْعِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ ،
ورِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِمُوَاطَأَةِ الْبَائِعِ ، أَوْ صُنْعِهِ ،
والْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ ،
وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ قِيَاسًا عَلَى الْمُصَرَّاةِ ،
الْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ صِحَّةُ الْبَيْعِ مَعَ الْإِثْمِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ ،
وقَالَ الرَّافِعِيُّ أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ تَعْصِيَةَ النَّاجِشِ ،
وَشَرَطَ فِي تَعْصِيَةِ مَنْ بَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ ،
وأَجَابَ الشَّارِحُونَ بِأَنَّ النَّجْشَ خَدِيعَةٌ ، وَتَحْرِيمُ الْخَدِيعَةِ وَاضِحٌ لِكُلِّ أَحَدٍ ،
وَ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ هَذَا الْحَدِيثَ بِخُصُوصِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ فَقَدْ لَا يَشْتَرِكُ فِيهِ كُلُّ أَحَدٍ ،
وَاسْتَشْكَلَ الرَّافِعِيُّ الْفَرْقَ بِأَنَّ الْبَيْعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ إِضْرَارٌ
وَالْإِضْرَارُ يَشْتَرِكُ فِي عِلْمِ تَحْرِيمِهِ كُلُّ أَحَدٍ ،
قَالَ : فَالْوَجْهُ تَخْصِيصُ الْمَعْصِيَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ . انْتَهَى ،
و قَدْ حَكَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالسُّنَنِ عَنِ الشَّافِعِيِّ
تَخْصِيصَ التَّعْصِيَةِ فِي النَّجْشِ أَيْضًا بِمَنْ عَلِمَ النَّهْيَ فَظَهَرَ أَنَّ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ بَحْثًا مَنْصُوصٌ ،
ولَفْظُ الشَّافِعِيِّ : النَّجْشُ أَنْ يُحْضِرَ الرَّجُلُ السَّعْلَةَ تُبَاعُ فَيُعْطِي بِهَا الشَّيْءَ ،
وَ هُوَ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا لِيَقْتَدِيَ بِهِ السُّوَّامُ
فَيُعْطُونَ بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا كَانُوا يُعْطُونَ لَوْ لَمْ يَسْمَعُوا سَوْمَهُ .
فَمَنْ نَجَشَ فَهُوَ عَاصٍ بِالنَّجْشِ ـ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ ـ
وَالْبَيْعُ جَائِزٌ لَا يُفْسِدُهُ مَعْصِيَةُ رَجُلٍ نَجَشَ عَلَيْهِ ، كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي .
اللهم صلى و سلم و بارك علي عبدك و رسولك
سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين .