( تعرض الفتن على القلوب )
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق
الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنك أنت العليم الحكيم ،
اللهم علِّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق
حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا
ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك
مع حديث شريف أخرجه الإمام البخاري ومسلم في كتاب إتحاف
المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم :
عن حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
) تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا
فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ
وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ
حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ
مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا
لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ )
وجدت هذا الحديث ينطبق أشد الانطباق على آخر الزمان ،
أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم . فتن لا تعد ولا تحصى ، والفتنة
شيء يدعوك إلى معصية فإما أن تنتصر وإما أن تفتن بهذه
المعصية ، والفتن في الشهوات وأول فتنة بني إسرائيل كانت في
النساء ، واتقوا فتنة النساء ، فالمرأة فتنة معنى فتنة يمكن أن
تدفعك إلى معصية الله ، والمال فتنة يمكن أن يقودك حب المال إلى
أن تأكله حراماً ، والولد فتنة يمكن من أجل أن تتباهى به أن تدفعه
إلى طريق النار ، والبنت فتنة يمكن أن تعطيها مرادها من دون
محاسبة فتكون طريقاً لك إلى النار ، والمكانة فتنة حفاظاً على
المكانة قد يسلك الإنسان طريق النار ، الفتن لا تعد ولا تحصى كل
الشهوات التي أودعها الله في الإنسان هي فتن ، لكن معنى فتنة
بأعمق تفسير امتحان تنجح أو ترسب ، تنجح إذا انتصرت على
نفسك وترسب إذا أغوتك هذه الفتنة قال تعالى :
} وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً{
انتصر سيدنا موسى على نفسه ، فإذاً كل الناس ممتحنون ، كل
الناس يفتنون ، كل الناس يبتلون فإما أن ينجحوا وإما أن يسقطوا ،
إما أن ينتصروا على أنفسهم وإما أن تغلبهم شهواتهم فيسقطوا من
عين الله ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
( تكونُ بينَ يديِ الساعَةِ فِتَنٌ كقِطَعِ الليلِ المظلِمِ ،
يُصْبِحُ الرجلُ فيها مؤمنًا ، ويُمْسِي كافِرًا ، ويُمْسِي مؤمنًا ،
ويُصْبِحُ كافِرًا ، يبيعُ أقوامٌ دينَهم بِعرَضٍ مِنَ الدنيا )
ونحن في زمن الفتن وسلامة الرجل في الفتنة أن يلزم بيته إن
مشيت في الطريق فأنت في فتنة ، وإن طالعت مجلة من دون تدقيق
فأنت في فتنة ، وإن فتحت موقعاً معلوماتياً فقد تقع في فتنة ، وإن
شاهدت محطة قد تقع في فتنة ، إن كل شيء حول الإنسان اليوم فيه
فتنة ، فيه ما يصرفه عن طاعة الله ، فيه ما يرغبه بمعصية الله ، فيه
ما يدفعه إلى الهلاك ، فيه ما يزين له الدنيا ، فيه من يضع أمامه
العقبات ، نحن في زمن الفتن والبطل هو الذي ينجو من الفتن هو
الذي يتوفاه الله على إيمان .
نحن في زمن الفتنة وسلامة الرجل في الفتنة أن يلزم بيته ، هو
الحصن الوحيد أن يلزم بيته ومسجده ، وقد قال بعض المفسرين :
} فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ
مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً {
ولعل بيتك الذي تعبد الله فيه ولعل مسجدك الذي تتلقى منه العلم ومن
إخوانك المودة هو ما يحصن الإنسان من الفتنة .
عن حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
) تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا(
هناك فتن في كسب المال ، هناك فتن في إنفاقه ، هناك فتن في البيع
والشراء ، هناك فتن في غش المسلمين ، والله باب الغش لا يعد
ولا يحصى ، أنواع الغش كثيرة هناك فتن في وسط البيت وأنت في
البيت هناك فتن ، هناك فتن في غرفة النوم ، هناك فتن في غرفة
الجلوس ، هناك فتن في غرفة الاستقبال ، هناك فتن في الطريق ،
هناك فتن في مطالعة الكتب ، هناك فتن في الشاشة ، هناك فتن في
المذياع ، هناك فتن في كل أحوال الإنسان ،
} وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ {
شاءت حكمة الله أن يكون الإنسان مبتلى في الدنيا والفتنة هي
الامتحان وأنت ممتحن دائماً ممتحن فيما أعطاك وممتحن فيما زوى
عنك والبطولة أن تنجح في هذه الفتن ، المرأة فتنة فإذا استعذت بالله
} إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً {
} إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ {
كيد الشيطان ضعيف وكيد المرأة عظيم، لأن لك حاجة عند المرأة ،
لأنك مفتقر إلى الطرف الآخر ، هذا الافتقار قد يحملك على معصية
الله ، فلذلك أنت حينما تبتعد عن أسباب الفتنة تنجو منها ، أما إذا
دخلت في أسبابها في الأعم الأغلب تقع فيها .
يعني تيار كتب عليه من بعيد ممنوع الاقتراب لمسافة عشرة أمتار
من التيار عالي التوتر هذا التيار عالي التوتر يمكن إذا وصل الإنسان
إلى عشرة أمتار قبله أن يجذبه وأن يحرقه فإذا أردت أن تكون آمناً
من هذه الفتنة ينبغي أن تدع بينك وبينه هامش أمان ،
} تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا{
أما إذا سولت لك نفسك أن تقتحم حرم هذا الخط الكهربائي عالي
التوتر ففي الأعم الأغلب سيأخذك ، ما خلا رجل بامرأة إلا كان
الشيطان ثالثهما . الخلوة بالمرأة تجاوزت الخط الأحمر ، الخلوة
بالمرأة تجاوزت حرم هذه الفتنة ، صحبة الأراذل تجاوزت الخط
الأحمر ، أن تملأ عينيك من الحرام تجاوزت الخط الأحمر ، هناك
طرق لا تعد ولا تحصى كلها تجاوزات في الخط الأحمر ومن تجاوز
الخط الأحمر هو معرض لهذه الفتنة .
لذلك الآية تأتي أحياناً ، قال تعالى :
} وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا{
ليس في القرآن نهي عن الزنا بل فيه نهي عن أن نقترب من الزنا ،
يحميك الله عز وجل ما دمت بعيداً عن الخط الأحمر الذي قبل
المعصية ، فلذلك في آخر الزمان :